لعل تلك العملية العســـكرية التي قامت بها قطع من الأسطول البحري الإســرائيلي في المياه الإقليمية اليونانيــة، كانت المؤشر الخطير لعمل تقوده الاستخبارات الإسرائيلية للوصول إلى غاية أسمى من تلك الفرقعة الإعلامية التي ضجت بها شاشات التلفزة عبر العالم.
علمتنا تجاربنا الماضية وتجارب الدول والأمم التي سبقتنا، أنّ المؤامرات التي حيكت للتخلص من شخصيات سياسية وعسكرية مؤثرة في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري للدول التي كانوا فيها، من المؤامرة التي استهدفت ملك فرنسا لويس الثالث عشر لخلعه واستبداله في عمل قل نظيره إلى تلك التي استهدفت نابليون، جون كنيدي، ياسر عرفات و الكثير من رؤساء و ملوك العالم، وصولا ً إلى تلك العمليات التي ينفذها رجال الاستخبارات عبر العالم، كلها كانت الأسس التي جعلت منا نقرأ ما تحت السطور حتى ولو غالينا في تفسيرنا أو اعتقادنا لأن من حسن التدبير اتخاذ التدابير الوقائية لحماية كل المكتسبات التي سعى رجالها ســنوات لبنائها والحفاظ عليها، لذلك توجب عليها طرح جميع الاحتمالات، والتي نرى أن ّ أهمها من وجهة نظرنا هي تلك التي يتخفى وراءها رجال يراقبون رجالا ً آخرين للوصول إلى قادتهم وأماكن تواجدهم وطريقة الاتصال بهم ليتسنى لمن يراقب التخلص من قادة أولائك الذي يراقبون.
فلو وضعنا أنفسنا بدلا ً من رجال الاستخبارات الإسرائيلية وفكرنا في الطريقة التي يجب تنفيذها لاغتيال إحدى الشخصيات القيادية في حزب الله اللبناني، خاصة بعد خلو جعبتهم من كافة الوسائل المتعارف عليها عسكريا ً وأمنيا ً دون جدوى تذكر، والحصول في ذات الوقت على نتائج مختلفة في عدة جبهات أسوءها مفيد للحكومة الإسرائيلية، لو جدنا أنهم مضطرون إلى افتعال أزمات وفرقعات تضج بها وسائل الإعلام العالمية كتلك التي حصلت منذ أيام و اتهام إيران وحزب الله وسوريا بملكية الأسلحة التي زعموا بوجودها على متن السفينة التي أوقفوا، وأنّ المقصد النهائي لبضائع السفينة هو حزب الله لتدمير وقتل الأطفال والمدنيين الإسرائيليين المهددين في كل لحظة بهجوم إرهابي يقوده الحزب. هكذا روجتها أجهزة الاستخبارات العسكرية دون الإشارة إلى الطريقة غير القانونية التي أوقفت بها السفينة في مياه دولية أو إقليمية لدولة غير إسرائيل.
من وجهة نظرنا، في الوقت الذي بدأت فيه الأزمة وبدأ معها الخبر بالانتشار في نشرات الأخبار العالمية، بدأت معه العملية الإسرائيلية في مراقبة كافة عناصر الحزب من خلال اتصالاتهم و أماكن سكنهم و مكاتبهم وتوجيه أقمارهم الصناعية وطائراتهم التي تطير بالقرب من الحدود اللبنانية أو فوقها، للوصول إلى الطريقة التي يتم فيها الاتصال بين عناصر الحزب وقادتهم للحصول على ردّ قادتهم على الاتهام الإسرائيلي، والتوجيه السياسي لذلك الرّد الذي خرج به المكتب الإعلامي للحزب، فالمهم معرفة الأشخاص المكلفين بالاتصال وأماكن تواجدهم وطريقة اتصالهم وأماكن قادتهم أو كيفية الوصول إليهم أو كيفية إيصال المعلومات وتلقيها منهم، باعتبار أنّ الأزمة موجهة للحزب وســـــكوته يعني موافقة لما يُروج، الأمر الذي يجعل من سرعة الرّد خطوة في دحض مزاعم العدو الإسرائيلي. هذا ما اعتمدت عليه الاستخبارات الإسرائيلية، وفي ذات الوقت قدمت للعالم برهان على وجود جهة معادية هي النظام الإيراني تمّول جهة معادية أخرى هي حزب الله وأنهم من المستضعفين في الأرض، و أنّ من واجب كل دول مساعدتهم للتخلص من أولائك الإرهابيين الفلسطينيين و غيرهم من حزب الله وإيران وسوريا، و أنّ المؤامرات تحاك لقهرهم وقتلهم وإذلالهم كما فعل هتلر منذ أكثر من نصف قرن، وأنّ ما ورد في تقرير "غولدستون" لم يكن محقا ً وأنَ تلك الدول قد غررت به وأبعدته عن الوجهة التي يجب أن يسير عليها، مما يجعل من تقريره غير ذي قيمة وسط الحملة الإعلامية الكبيرة التي تبنّتها الحكومة الإسرائيلية لتفريغه من مضمونه الذي يجرمهم ويجرم قادتهم.
لذلك نرى التنّبه، إلى هذا الخطر الاستخباراتي الذي يهدد في كل يوم حياة أشخاص أحببناهم و أحبونا من خلال محبتهم لبلادهم ولقوميتهم ولرجولتهم، كما أنّ تحريك أو تغيير الأماكن التي يتواجد بها كبار الشخصيات في حزب الله قد يسهل مهمة المراقبين الذين ينتظرون خطأ يرتكب ليحققوا غاياتهم.
و نحن على يقين بالقدرة العقلية والذهنية التي يتمتع بها السيد حسن نصر الله ورجاله للخروج من أي مأزق بما عرف عنه من عقل راجح وصدر يستوعب لآراء من حوله.
نرجو السلامة له ولرجاله، كما نتمنى التنّبه لكل الاحتمالات حتى البعيدة منها فربما تكون الأخطر مما يمكن أن يفكر فيه المواطن العادي، فليست كل الحقيقة ما تراه العين؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية