أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رائحة المطر ... شوقي حافظ

هطل المطر بغزارة ـ وبشكل انتقائي ـ على مناطق دون غيرها من مصر مترافقا مع قطع ثلج صغيرة ، في تغير مناخي حاد أخل بتوازن الطقس المفترض في الخريف كفصل انتقالي ما بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء..من الصعب التعرف على اسباب هذا التحول، والأرصاد الجوية لا تملك ـ كالعادة ـ أي تفسير يتجاوز حدوث منخفض ـ مرتفع ـ جوي تبرر به ما يحدث ، لكن لماذا تقع هذه التقلبات؟ لسنا معنيين بالتوغل في الجذور ، فربما يقودنا قانون السببية الى حكاية شعبية كانت ترويها الجدات للاطفال حول صراع يحدث بين إبل الصيف وإبل الشتاء ينتج عنه البرق والرعد ثم يهطل المطر!.
من خلف زجاج النافذة اتأمل خيوط المطر وقد صنعت بركا صغيرة في الشوارع شبه الخالية من المارة ، رغبة مجنونة تحثني على الخروج من المنزل والاستحمام بخيوط المطر المنهمر كما كنت أفعل صبيا..فهل يستطيع ذلك الآن كهل يتأرجح في منتصف عقده السابع؟ في الطفولة كانت مواسم المطر تقترن باثمار نبات الفول الذي كنا نتبارى في التهام حباته النيئة ، اما القشور الخضراء فكانت تخضعها أمي لمعالجات خاصة ببعض التوابل قبل ان يتم شيها وتقديمها ساخنة كمشهيات تثير اللعاب..الآن أظن ان هذا الابداع المطبخي يستحق ان يحمل اسم أمي فاطمة في موسوعات الأغذية الوطنية!.
أخيرا تغلبت على مخاوفي وعلى تيبس المفاصل بسبب ارتفاع نسبة حمض البوليك في الدم وأرتدي ملابس ثقيلة منطلقا الى الخلاء حيث الخضرة البهيجة اليانعة في حقول ممتدة..احتمي من المطر تحت اغصان مورقة لشجرة جميز عتيقة وأجذب نفسا عميقا ملء الرئتين من الهواء النقي الذي غسلته الامطار فأستشعر برودته داخل حويصلاتي الهوائية ورائحته التي تحمل معنى الخصوبة..تستفيق ملء روحي رعشة البكاء كما يقول بدر شاكر السياب وتستشري النشوة في أوصالي..أرتعد..قبل ان يستحوذني وسن من يصل الى درجة قصوى من الانتشاء اعود الى البيت وكلي يتواصل مع قول السياب: مطر..مطر..مطر!.



جريدة الوطن العمانية

(96)    هل أعجبتك المقالة (90)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي