وصلت عبارات القرآن الكريم إلى أمريكا، حتى أن رئيس أمريكا القادم، جوزيف روبينيت الشهير بـ "جو بايدن"، عبارة -إن شاء الله- نطق بها في أول مناظرة، وهي مناظرة مسلسلة تقع في ثلاث جولات، فالأمريكان يحبون "الشو" والفرجة وفنّ المصارعة، ونتمنى أن نرى مثلها يوماً في "الولايات المتحدة السورية"، إن شاء الله.
والعبارة هي أحد أسباب تأخر سورة الكهف بالنزول: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا".
قال العلماء عاتب الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك. فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة.
وأصبح اللوبي العربي مؤثّراً، والمرشحون الأمريكان يخطبون ودّهم في مواسم الانتخاب، ولكن لا يقارَن وضع العرب باللوبي الصهيوني القوي العتيد.
وقيل إنّ بايدن قصد منها السخرية من ترامب، الذي وعد بكشف حسابه الضريبي، ودفع مستحقات الضرائب، وذكر ذاكرون أن ترجمتها: ابقى قابلني، أو عيش يا كديش، أو مواعيد عرقوب، وتلك خيانة في الترجمة، وشبيه هذا قولهم: احلف! قال: جالك الفرج، فإذا فسد القلب فسد كل شيء.
إن شاء الله، عبارة كثيرة الشيوع على اللسان المسلم، ويقال على سبيل الأمل أيضاً. فالمسلمون يذكرون عبارة "إن شاء الله" في مواضع شتى، في الوعد والوعيد، في التسويف والأمل، في الاعتذار وفي التقوى، وفي المنزلة بين المنزلتين، وكل يقاس بقدره، والأصل هو القلب، فإذا صلح، صلح الجسد كله.
أما عبارة: كن بخير، فهي عبارة عجيبة، وفيها قسوة، وأمر عسكري، وكأن الشأن باليد!
وقد انتشرت العبارة نفسها في ألمانيا، ودخلت القاموس الألماني، وشاهدنا استفتاء في تلفزيون دويتشه فيله حولها، رحّب بها ألمان وأنكرها آخرون، فتفاءل مسلمون بأن فتح روما بات قريباً، وهي تفتح بالتكبير، وليس بالسيف، وقد فتحت اندونيسيا بقول إن شاء الله على ألسنة التجار المسلمين، فرأى منهم شعب اندونيسيا الأمانة فاتبعوا دينهم وأسلموا، وهي أكبر دولة إسلامية معروفة، وكثيراً ما أسمع في ألمانيا طلاباً وتلاميذ يتحدثون ويكررون قولهم: والله، وهم ينطقونها "فالله"، ولم يبق سوى التكبير حتى تفتح لنا روما "إن شاء الله".
وشهيرة نكتة جحا حول قول إن شاء الله، وكان ذاهبا إلى السوق ليبيع حماره، فاستوقفه جاره، وسأله وعرف قصده فذكره بأن يقول إن شاء الله، فلم يفعل جحا الذي كان علمانيا سابقا لعصره في النكتة، فقال: حماري معي والسوق قريب، وكل شيء تمام و بقية النكتة معروفة ...
ويُكثر الرئيس المصري من ذكر عبارة: إن شاء الله، فهي مهرب جيد لمؤمن مثله، و"بفضل الله سبحانه وتعالى"، فتقول وأنت تسمعه: ما شاء الله على الإيمان والتقوى، أما الرئيس السوري، فهو علماني جداً ولا أذكر أني سمعته يذكر اسم الله، خشية أن يتهم بالإيمان، ويفسد علمانيته.
وكانت زيغريد هونكة قد ذكرت في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب"، والذي ترجم باسم آخر هو: "شمس العرب تسطع على الغرب"، وفرق كبير بينهما، وربما سبب ذلك أنه ترجم في أوان ارتفاع نشيد القومية العربية في الخمسينيات والستينيات.
أما الكلمات العربية في الإنكليزية، فهي كثيرة جداً، قد تبلغ الربع وربما النصف، ولم أكن أعلم أن فعل الكون الإنكليزي "is" أصله في العربية، وهو الأيس، أي الوجود، وقد كفَّ العرب عن استخدامه واكتفوا بالنفي، واكتفوا من الاقتراع بنعم، فسبحان مغير الأحوال، وقد تسربت إلى الإنكليزية إبان تعلم الطلاب الإنكليز في جامعات الأندلس، فعلقت بلسانهم كلمات، أو أنهم عادوا متباهين بها كما نتباهى بالألفاظ اللاتينية، واستقرت في الإنكليزية.
لسنا جمهوريين ولا ديمقراطيين، الفرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، كالفرق بين فردة النعل اليمنى وفردة النعل اليسرى في قول شهير، ويبدو لي أن بايدن أقرب من ترامب، ويبد أنه أكثر رشداً منه كما تقول ترجمته، أي سيرته الذاتية، فهو من الليبراليين المعتدلين، وهو وترامب سواء في دعم إسرائيل، وأكرم من ترامب في القبول بالوافدين، وكلاهما وافد، وكان قد منع من تناول القربان المقدس بسبب تأييده الإجهاض، وهو صديق للبيئة، فهو يعارض التنقيب عن النفط في آلاسكا العذراء، ويكثر من لمس النساء، كأنه أعمى، اتُهم بايدن باتصال غير لائق بالنساء في المناسبات العامة، مثل العناق، أو التقبيل، أو الإمساك، أو وضع اليد على أكتافهن. ووصف نفسه بأنه: "سياسي يتفاعل باللمس"، واعترف بأن هذا السلوك تسبّب له بمشكلات في الماضي، لكن ترامب مدمن تحرّش، وقد أصيب بالكورونا من النساء.
هناك أمر يجعلنا نفضله على ترامب، الذي يتعامل بما هو أبعد من اللمس، ونتمنى فوزه إن شاء الله، لسبب مهم هو أنه قد يأخذ بثأر الخاشقجي، أو قد يجبر قاتليه على شراء لوحة جديدة إن شاء الله، أو شراء يخت جديد إن شاء الله، أو يستعيد جحا حماره الذي سرق إن شاء الله .. وينتقم من اللصوص الذين ضربوه ضربا مبرحا إن شاء الله.
*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية