أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تركيا الغائب ..الحاضر في المنطقه العربيه 2 ... وائل المهدي

تناولت في مقال سابق الدور التركي المتمثل في دوله الخلافه العثمانيه والممتده سيطرتها ونفوذها جميع البلدان العربيه والدور الغربي الأستعماري في العمل علي القضاء وانهيار دوله الخلافه العثمانيه وذلك من خلال تحريك بعض الزعامات والمشايخ العرب الحالمين بالدوله العربيه العظمي وبعض المتأمرين منهم الذين لهم مصالح وطموحات شخصيه وسلطويه من امثال الشريف حسين وأيضا استغلال المثقفين والكتاب والمتنورين في تشويه صوره الخلافه من خلال المطبوعات ودور النشر وكذلك تم استغلال بعض الولاه و الضباط ذو النفوس الضعيفه وتم العمل علي افسادهم لكي يكونوا نموذج سيء امام الشعوب العربيه ووجه قبيح لدوله الخلافه العثمانيه وكانت تلك هي العوامل الرئيسيه في القضاء علي دوله الخلافه العثمانيه والانقلاب الذي قاده مصطفي كمال أتاتورك لتأسيس الجمهوريه التركيه العلمانيه .
وكان من تداعيات انهيار الخلافه العثمانيه هي تقسيم الوطن العربي الموحد لدويلات صغيره وترسيم حدود بينها وهو ما تم من خلال ما يعرف بسايكس بيكو وسيطره الدول الغربيه علي تلك الدويلات فكانت الامبراطوريه العثمانيه مثل كعكه وتم تقسيمها علي الدول الغربيه الاستعماريه و اكبر التداعيات هي تحرير فلسطين من النفوذ التركي العثماني و تم تسليمها للقوات الأنجليزيه وظلت تحت الانتداب البريطاني حتي قدمت كهديه لليهود وأنشأ اليهود كيانهم الصهيوني علي اعز قطعه عربيه وهي فلسطين ولاننسي دور الساسه والقاده العرب في ذلك .
ولذلك اتّسمت العلاقات العربية التركية طوال العقود الماضية بالسلبية والخلافات، وصولاً إلى أجواء التوتّر في العديد من اللحظات التاريخية. ولعل سبب هذه السلبية هو العديد من العوامل الأيديولوجية التاريخية والسياسية، إذ انطلقت النخب التركية العلمانية الحاكمة في سياساتها تجاه دول الجوار العربي بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 من كونها تقدّم نموذجاً طوّرته خصيصاً ليناسب التطوّر العقائدي والسياسي والاقتصادي في المنطقة العربية. ولعلّ جذور هذه النظرة ترجع إلى نزعة الاستعلاء التركية على أساس أن الأتراك كانوا أصحاب الأمجاد التاريخية، وإلى تعامل العرب مع القوى الاستعمارية لتقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية و نظره الأتراك للعرب علي انهم خونه وعملاء للغرب الاستعماري الذي انقض علي الامبراطوريه وتفتيت الوطن العربي وتقسيمه لدويلات. أمّا العرب فيرون أنّ سبب تخلّفهم الحضاري والتقني هو الحكم العثماني للدول العربية الذي دام أربعة قرون، وأنّ العروبة ظهرت بشكلها العنيف في بداية القرن الماضي بسبب النزعة التركية الطورانية التي هدفت إلى تتريك الشعوب غير العربية تحت شعار وحدة الدين وأيضا شعور العرب بالظلم والاضطهاد نتيجه بعض مساوئ وافعال الولاه العثمانيين والذين تم افسادهم عن طريق الدول الغربيه ليكونوا أداه مطيعه لهم يتم بها تشويه نظام حكم الخلافه . وقد ساهمت سياسة الإنطواء التي انتهجها مصطفى كمال اتاتورك تحت شعار"سلام في الداخل سلام في العالم" لتعزز التباعد التركي العربي.

في التجربة التاريخية، رافق البعد الأيديولوجي القومي بعد سياسي تجلّى في المساومة التركية مع الدول الغربية تجاه دول المشرق العربي، كما حصل في قضية سلخ لواء الإسكندرون عن سوريا عام 1938، وقبل ذلك في قضية الموصل مع العراق، وفي ما بعد في اتّباع سياسة إقليمية مناصرة لإسرائيل تجاه قضية فلسطين. فقد كانت تركيا أوّل دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وعقدت معها في ما بعد سلسلة من الاتفاقات التجارية والمالية والدبلوماسية .
وكان هناك بعد سياسي تركي اقليمي دعمه بعد سياسي دولي تجلّى في انضمام تركيا مبكراً إلى الحلف الأطلسي وقيادتها لمشاريع الغرب في المنطقة كحلف بغداد ، وممارسة سياسة قوامها التوتر والضغط والاستفزاز للدول العربية المجاورة، عندما كانت هذه الدول تابعة استراتيجياً للاتحاد السوفيتي في إطار الصراع السابق بين المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي). وكثيراً ما وصلت حدّة الحشود العسكرية التركية على الحدود السورية إلى حدّ أجواء الحرب، كما حصل أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك عام 1957 عشية الوحدة بين سوريا ومصر. وتكرّرت هذه المواقف أثناء إنزال القوات الأميركية في لبنان بنقل هذه القوات من قاعدة «أنجرليك» التركية مباشرة. وعلى خلفية هذه السياسة، تحوّلت القضايا الخلافية كالمياه والأكراد والعلاقات العسكرية مع إسرائيل إلى قضايا ساخنة في العلاقات العربية التركية كادت أن تنفجر في أية لحظة، وخصوصاً مع سوريا .
ويبدو أن مبادئ الجمهورية الأولى التي أسسها أتاتورك وكانت عبارة عن أيديولوجية متعصبة وجامدة باتت عاجزة عن تفسير الكثير من متطلبات العصر والمتغيرات الداخلية والخارجية على حد سواء ، وهو ما دعا توركوت أوزال مؤسس الجمهورية الثانية التي اقترنت بمصطلح " العثمانية الجديدة " مطلع الثمانينات من القرن الماضي إلى انتقاد الاتاتوركية وإعلان إفلاس العلمانية ممهدا بذلك الطريق دولة ومجتمعا فيما بعد لظهور وانتشار أفكار الإسلاميين الجدد في تركيا التي توجت بنموذجها الحالي حزب العدالة والتنمية .
يمثل انجاز حزب العدالة والتنمية بوضع يده على جرح تركيا المتمثل بجدل الهويات منذ نصف قرن عندما أنهى جدل الهويات والتناقض الذي عصف بتوجهات تركيا منذ نصف قرن وحقق ذلك الانسجام والتوافق بين موروث الثقافة السياسية وبين تركيبة النظام السياسي الذي حاول في الماضي من خلال النخبة والعسكر في الجمهورية الأولى فرض هوية جديدة للمجتمع التركي منحازة لأوربا والدخول قسريا بقطيعة تامة مع جذور المجتمع متجاهلة الهوية و عوامل التاريخ والجغرافية .
وتبين وضوح وظهور الدور التركي وتعاظمه في فتره حكم حزب العداله والتنميه باتجاه القضايا العربية والشرق أوسطية فالنموذج التركي الواعد يبدو هو المرجح كلاعب رئيسي في المنطقة مقابل إسرائيل وإيران وفي ظل غيبوبة عربية ، خاصة وان اللاعب الأكبر في السياسة الدولية المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية في حالة من التراجع وأصبح مضطرا لإحالة الكثير من الملفات إلى قوى إقليمية قوية ومقبولة لتقوم بإدارتها بالنيابة ،كما تتضافر عدة عناصر تؤكد الاندفاعة التركية فالتشرذم والضعف العربي بعد احتلال العراق ، ومسك تركيا لعصب الطاقة الثاني في القرن الحادي والعشرين المتمثل بالمياه الذي تحتاجه كافة دول المنطقة ، ونموذجها الإسلامي المقبول ، وتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتعاظم النفوذ الإيراني المنافس التاريخي لتركيا في المجال الحيوي العربي والإسلامي.
تتمثل المحطات والإشارات الايجابية الجديدة في موقف الجمهورية التركية الثالثة من القضايا العربية في رفض تركيا استخدام القواعد الأطلسية في تركيا كمنصة لغزو العراق عام 2003 و في المواقف من القضية الفلسطينية وذروتها الموقف من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزه والتوتر الذي ظهر بين الحكومه التركيه والجكومه الاسرائيليه .
والحقيقة أن مواقف تركيا الأخيرة إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإيقافها جهود الوساطة بين سوريا وإسرائيل إلى أجلٍ غير مُسمّى؛ كلها أمور تؤكد أن تركيا دولة ذات سيادة تحترم نفسها، وهي بهذه المواقف القوية تعطي دروساً سياسية ودبلوماسية للنظم العربية في كيفية إدارة علاقاتها وتحالفاتها مع الغرب. فعلاقات تركيا القوية بإسرائيل وعضويتها في حلف الناتو الغربي لم يمنعانها من اتخاذ مواقف مغايرة عن الأطراف التي تتحالف معها. إن تركيا تستمد قوتها اليوم من قدراتها الذاتية ومن الشرعية الشعبية لحكومتها التي وصلت إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وذلك على العكس مما يجري في منطقتنا العربية، وهي بذلك تصنع لها مكاناً وموقعاً متميزاً في الشرق الأوسط دفع العرب المأزومين داخلياً إلى الاستعانة بها، ومحاولة تصدير أزماتهم الداخلية إليها، لكي تساهم في حلّها بعد أن عجزوا مجتمعين عن ذلك.
ويري كثير من المفكرين وأهل السياسه ان المرحله المقبله ستشهد المزيد من التطور في العلاقات العربيه التركيه وتعاظم الدور التركي وتقوم تركيا الأن علي دور مهم في التقريب بين المذهب السني والمذهب الشيعي والعمل علي انهاء الخلافات المذهبيه في العراق او بين ايران وبقيه دول المنطقه العربيه وتمثل ذلك الدور في الزياره التي قام بها الزعيم الشيعي مقتدي الصدر لأنقره واجتماعه مع المسؤلين الأتراك وذلك كله يتم بضوء أخضر وموافقه ايرانيه مما يدل علي عدم وجود خلاف او تعارض للدور التركي في المنطقه العربيه .

[email protected]

(87)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي