خيبة أمل كبيرة مشوبة بسخط عريض، وجد أهالي قرى موالية في ريف حماة أنفسهم وسطها، مع تساؤلات لا تنتهي عن سر تقاعس النظام الذي قاتلوا وقتلوا لأجله، في محاصرة ألسنة اللهب التي تلتهم أرزاق الناس من بساتين وأشجار وتحول أحراجا -تطلب نموها عقودا- إلى رماد في غمضة عين.
وخلال الساعات الأخيرة، وفي حين كان يفترض أن يبعث زج المروحيات في عمليات إخماد الحرائق برسالة إيجابية ترفع بعض من المعنويات المتهالكة لمعظم السكان هناك، فقد جاءت رؤية بعض هذه المروحيات في السماء لتضيف مرارة إلى مرارات أخرى، ولتحرك أسئلة يعرف الناس أجوبتها لكنهم لا يجرؤون على البوح بها غالبا.

فبعد نحو أسبوع من استعار الحرائق في ريف حماة، والتهام مساحات واسعة من الغابات والبساتين، أعطى النظام أوامره لعدد محدود من المروحيات للتدخل، وهو ما جعل أهالي القرى المنكوبة بألسنة اللهب يتساءلون: أين كانت هذه المروحيات من قبل، وما المغزى من تأخر أو تأخير استخدامها لإنقاذ قرى أحرق أهلها كل مراكبهم مع السوريين، في سبيل بشار، الذي استخدم أبناءهم حطبا لحربه.. ثم هو يتلكأ اليوم في مد يد العون لهم أو الاكتراث بما يعانون.
معلومات وصلت إلى "زمان الوصل" قالت إن فهم سر تدخل المروحيات ربما يكمن في معرفة "الجبهة" التي شكلت باكورة تدخلها، وهي أحراش بلدة اللقبة، التي يتحدر منها واحد من أبرز رجالات الأسدين (الأب والابن) والرجل الذي عهد إليه حافظ بتربية بشار وتلقينه "أصول الحكم"، ونقصد به اللواء محمد ناصيف خير بيك، الذي رحل صيف 2015، لكن قصره الباذخ، وقبره (الذي بني في صورة ضريح كبير) ما يزالان هناك في مسقط رأسه (اللقبة).
ويرى موالون أن تدخل المروحيات في جبهة دون أخرى، وتركيزها على مناطق بعينها، أعطى للناس انطباعا بمبدأ التمييز الفاقع الذي تلخصه عبارة "خيار وفقوس"، وبمعنى آخر فإن الموالين الطائفيين في عيون الأسد ليسوا متساوين أبدا، ولا ينبغي لهم أن يكونوا كذلك عندما يتعلق الأمر بنجدتهم، رغم أن الذي يستنكف النظام عن إنقاذهم اليوم، هم من أكثر الفئات التي دفعت دماً في سبيله، بينما الفئات التي يحرك لها المروحيات وتجهيزات الإطفاء اليوم هي التي استنكفت لعقود عن "بذل الأرواح"، بل إن أبناء هذه الفئات كانوا وما زالوا منعمين مرفهين، سواء في قصورهم في الداخل أو عقاراتهم بالخارج، دون أن يتأثر سير حياتهم بكل ما مرت به سوريا.. وهذا بحد ذاته تناقض إضافي يحرق بـ"ناره" أكباد من سعوا لـ"بقاء" شخص لم ولن يعنيه فناؤهم.
ومن باب التمييز هذا، استنفر النظام مروحيات له لإطفاء النار في مسقط رأس "ناصيف خير بيك"، بينما لم يتدخل بهذه المروحيات ولا حتى بأقل منها في مناطق أخرى، رغم اشتعال النيران بها منذ أسبوع!، ومنها مثلا منطقة الملزق التابعة إداريا لنفس تبعية "اللقبة"، أي منطقة "مصياف"!
وحصلت جريدتنا على مقطع مصور من إحدى قرى الريف الحموي ليلا، يظهر غياب النظام عن المشهد، وتولي الأهالي إطفاء ألسنة اللهب بما تيسر من إمكانات متواضعة، لا يمكن أن تنقذ الموقف، ولكنها تمثل القشة التي يتعلق بها هؤلاء في سبيل منع النار من التمدد والوصول إلى منازلهم.
ويعيش الريف الحموي، لاسيما منطقة مصياف، وضعا كارثيا من ناحية تعدد وتمدد بقعة الحرائق، يزيده بؤسا التدخل الهزيل للنظام، الذي ترك أغلب الحمل على الأهالي، وحتى عندما تدخل بالمروحيات لصالح منطقة دون أخرى، جاء تدخله باهتا، عبر طيارين غير مدربين على التعامل مع النيران وإطفائها، لأنهم مدربون بالأساس على إلقاء البراميل وعلى تدمير البيوت فوق رؤوس السوريين، كما إن هذه المروحيات عاجزة عن العمل في الليل، علما أن الحرائق لا تتوقف ليلا ولا نهارا، بل إنها تمتد في الليل أكثر، نظرا للإجهاد الذي يعانيه رجال الإطفاء بعد يوم عمل مضن، وملاحقة للحرائق من مكان إلى آخر.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية