أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في استراتيجية أوغلو- أردوغان الإحتوائية .... مهى عون

 

         تسارعت خلال السنوات الماضية وتيرة الحراك  الدبلوماسي التركي بعد طول غياب  عن منطقة الشرق الأوسط. وفي حين كان يرد بعض المراقبون هذا الإنكفاء إلى استشعار تركيا بأنها غير مرغوب فيها عربياً وإسلامياً، نسبة  لما زال مطبوعاً في الذاكرة الجماعية العربية، من مشاعر غضب ونفور تجاه الوجود العثماني الاستعماي السابق، يعتبر البعض الآخر أن إدراك تركيا لهذه المشاعر العدائية تجاهها، هو وراء توجيه أنظارها خلال العقود السابقة باتجاه أوروبا، ووراء سعيها الحثيث للدخول في الاتحاد الاوروبي. مع العلم أن هذا الموقف المثقل بالعدائية تجاه التاريخ العثماني الاستعماري، لم يكن يقتصر على  الدول العربية، بل كان  ينسحب أيضاً على شعوب بلدان القوقاز الجنوبي واليونان وقبرص وأرمينيا.  أما التغيير الفعلي لنهج التعامل التركي مع دول المنطق  فلقد انطلق مع وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم في نهاية عام 2002،حيث تم غض نظر السلطة العسكرية العلمانية المسيطرة ،عن هذه العودة للطابع الاسلامي للدولة التركية، وذلك خدمة لطموحات تركيا الهادفة للتحول إلى دولة محورية شرق أوسطية على صعيد العالم الاسلامي . ولقد أخذ هذا الطموح مداه الجيو - سياسي  بعد زيارة الرئيس الأميركي إلى تركيا،حيث شكلت زيارته لتركيا أول زيارة يقوم بها لبلد إسلامي شرق بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.وعندما قال الرئيس الأميركي في خطابه الشهير أمام البرلمان التركي بأن "تركيا هي حليف بالغ الأهمية وجزء مهم من أوروبا،وأنه على الولايات المتحدة وتركيا أن تتكاتفا وأن تعملا سوياً للتغلب على التحديات في زمننا"، كان يشير بالإصبع إلى دور تركيا المستقبلي على صعيد المنطقة. ومما تجدر الإشارة إليه هو الدور الأساسي الذي لعبه "البروفسور أوغلو"  في إقناع الرئيس الأميركي غداة انتخابه باختيار تركيا كوسيط شرق أوسطي مميز في السنين المقبلة. 
      ولقد  عكف بعدها هذا المفكر التركي اللامع على وضع منظومة سياسية خارجية متكاملة ،ترتكز من ناحية على عمق تركيا وتاريخها الاسلامي ومن ناحية أخرى على عدم تورطها مباشرة بالازمات الشرق أوسطيةالمستجدة، وعلى تمكنها من الحياد إيجابي حيال مختلف القضايا الشرق أوسطية . ويري أوغلو في نظريته أنه  يكفي تركيا ما وقفته استعطاءً على أبواب الاتحاد الأوروبي، وأنه حان وقت تحولها باتجاه عمقها الإسلامي، إذا ما أرادت أن يكون لها "دوراً عالميا".واستنادا على طروحات أوغلو هذه ،اندفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى تسجيل مواقف تطبيقية لهذه النظرية، ونجح في التحول وبوقت قصير إلى بطل إسلامي شعبي سواء على المستوى التركي أو على صعيد البلادان  العربية والاسلامية كافة.
    وكانت انطلاقة الدبلوماسية التركية في كل الاتجاهات. ومن الملاحظ تكثيفها  خلال شهر أوكتوبر الحالي والذي أسماه الدكتور أوغلو ب"شهر السلام"، حيث سجل الثنائي أردوغان -أوغلو أكثر من محطة ناجحة .ولعل أهمها  عربياً كانت الوساطة بين بغداد ودمشق، وأبرزها وأنجحها  شرق أوسطياً المصالحة التي حصلت مع أرمينبا بعد قرن من القطيعة والجفاء.             
       بيد أن هذه المساعي  الثنائية المتكاملة  لم تصل إلى الخواتم الناجحة، سوى عن طريق إحداث نوعاً من الجفاء مع الجانب الاسرائيلي،جاء في سياق التوتر الذي نشأ بين رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس في منتدى دافوس. وفي وقت أعلن أردوغان بأن مواقفه الأخيرة تجاه إسرائيل إنما هو نابع من "إرادة شعبه"، ومن إدانته الشخصية للعملية العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة والتي امتدت فيما بين 27 ديسنمبر 2008 و 18 يناير2009 ، حيث تمادت إسرائيل خلالها في استعمال قوة الحديد والنار، بحق الشعب الفلسطيني الشبه أعزل، يرد البعض الآخر مواقف أردوغان التصعيدية تجاه إسرائيل لتلكؤ هذه الأخيرة عن تزويد تركيا بالطائرات من دون طيار، والتي كانت تركيا قد اشترتها من إسرائيل على أن تستلمها قبل نهاية السنة الحالية ، في حين لم تسلم منها إسرائيل حتى الساعة سوى إثنتان. مع العلم أن هذه الطائرات من طراز"هارون" هي فائقة التطور من الناحية التكنولوجية، وقد يكون عدم تسليمها لتركيا بسبب تخوف إسرائيل من تسرب تقنياتها العالية  إلى بلدان معادية مثل سوريا وإيران، في حال تطورت العلاقة بين سوريا وأنقرة، أو بين أنقره وطهران، وأدى ذلك إلى تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة. في كل الأحوال لا يبدو أن رئيس الوزراء التركي عازم في المرحلة القائمة على التراجع عن مواقفه الهجومية تجاه إسرائيل ،طالما هذه الموقف المتشنجة تجاه إسرائيل ما زالت تعمل على ارتفاع نسبة الحماوة والتقارب في جو العلاقات مع الدول الاسلامية الأخرى.
      وتأتي إيران في مقدمة هذه الدول الاسلامية المستهدفة مباشرة بالدبلوماسية التركية في المرحلة المقبلة. واحتواء الأزمة الايرانية اليوم تحتل المرتبة الأول في سلم أولويات الدبلوماسية التركية نظراً للخطر الداهم الذي تشكله، في حال ضاقت فسحة صبر  المجتمع الدولي حيال  إيران، وانفلتت الاعصاب من عقالها اسرائيليا أو دولياً تجاهها في حروب  يصعب التكهن بفصولها وتداعياتها على الصعيدين الشرق أوسطي والعالمي.
     .وتأمل تركيا  فيما خص المحادثات المقبلة في فيينا أن تتم التنازلات من الطرفين فيما يستعد وفد تركي رفيع المستوى لزيارة طهران قبل نهاية الشهر الجاري.ولكن لا ندرى ماذا يمكن للمجتمع الدولي أن يقدمه لإيران أكثر من كل الوقت الذي أمضته الوفود المحاورة معها لاقناعها في طي مسألة طموحها النووي في تخصيب اليورانيوم.
      في كل الأحولال وحتى الساعة لم يصدر من قبل الولايات المتحدة أي موقف واضح تجاه العداء الذي تظهره أنقرة في مواقفها الأخيرة حيال إسرائيل.فهل ثمة مبالغة في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تنظر بعين الرضى للتصرف التركي، وبأن المنظر أحمد داوود أوغلو إنما يهدف إلى ترتيب أمور وشجون المنطقة بإيحاء من واشنطن؟وفي حال راهنت أنقرة على الدعم الأميركي للمباشرة في لعب الوسيط مع إيران، هل من المبالغة أيضا اعتبار أن المفكر أوغلو "قد علم شيأً وغابت عنه أشياء"، في تغييبه (على أقله إعلامياً) بأن إيران ليست في الواقع سيدة نفسها بالكامل، وأن روسيا تمسك بالورقة الإيرانية، وبأنه لا بد للمنظر  التركي من دق أبواب موسكو في هذا الخصوص.


                                                                                  

كاتبة لبنانية
(98)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي