أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تصورات أولية لبرنامج عمل من أجل القدس وفي سبيلها ... بلال حسن التل

تنويه ، هذا المقال جزء من كتاب للكاتب صدر في بيروت هذا الأسبوع عن معهد المعارف الحكمية بعنوان "القدس في الوعي المقاوم". يكثر الحديث هذه الأيام عن القدس وما تتعرض له من مؤامرات وتضج فضاءات الأمة بالبيانات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات التي تتحدث عن المدينة وأهميتها غير أن المراقب يكتشف أن جُل ما يقال من كلام في ذلك كله يأخذ طابع التكرار والاحتراز ونادراً ما يتحدث عن آليات وسبل إنقاذ المدينة عبر الأخذ بعين الاعتبار أن أهمية الوعي لا تكمن بالمعرفة النظرية فقط. لأن المعرفة النظرية تأخذ قيمتها الحقيقية عندما تتحول الى واقع يعيشه الناس ، أفراداً وجماعاتْ ، سلوكاً وممارسة. لذلك فإن تحرير القدس يحتاج أولاً الى بناء الوعي بناءً يؤسس لحالة نهوض حضاري شامل للأمة. من خلال تجسيد هذا الوعي بعمل جاد على مستوى الأمة التي يجب ان يتحمل علماؤها ومفكروها المسؤولية الأولى والمركزية في بناء هذا الوعي. ومن ثم تجسيده في حياة الأمة واقعاً تعيشه.
ان بناء الوعي هو في الأساس عملية فكرية وثقافية ونفسية ، تستهدف التغيير مصداقاً لقوله تعالى "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". والتغيير يبدأ أول ما يبدأ بالفكر والثقافة.
أن تغيير واقع الناس وإعادة بناء ثقافتهم وفكرهم من أوائل مهام الأنبياء التي ورثها عنهم العلماء ، الذين يقع على عاتقهم الآن المباشرة بالعمل على بناء مشروع ثقافي حضاري متكامل لتغيير واقع أمتنا بحيث تحتل القدس موقعاً مفصلياً ، في هذا المشروع يكون تحريرها هدفاً مركزياً له. من خلال حركة اصلاح شاملة لواقع الأمة. جاعلين قوله تعالى: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" شعاراً للمرحلة ومشروعها ، الذي يجب ان يكون مشروعاً تغييرياً شاملاً. يحرر الأنسان في بلادنا ، من كل عوامل الاحباط والهزيمة والتقاعس.
أن تحرير القدس يقتضي أولاً تحرير الانسان والعمل على إعداد العنصر المقاوم المجاهد القادر على تحمل الاعباء. وهذا يعني ان يعمل العلماء والمفكرون على نشر وترسيخ ثقافة المقاومة ، بين ابناء الأمة ، بكل السبل والوسائل. ابتداءً من التحريض المباشر على تحرير القدس. واشعار كل فرد بان هذا التحرير مسؤولية شخصية تقع على كاهله. وهي مسؤولية مرتبطة بشرفة الشخصي. وسعيه للصلاة في المسجد الاقصى المحرر.
البعد التحريضي
من أجل ذلك لا بد من توظيف صلوات الجمعة والجماعة للحديث عن القدس ما أمكن. بالاضافة الى السعي لإحياء كل المناسبات المتعلقة بالقدس ، واعطائها طابعاً تحريضياً. ابتداءً من ذكرى الاسراء والمعراج ، مروراً بذكرى فتحها الأول الى كل وقائع تحريرها من الغزاة. مع دراسة تجارب كل المحررين للقدس للاستفادة منها. مثل التذكير بما فعله نور الدين زنكي عندما أعاد بناء منبر المسجد الاقصى الذي أحرقه الفرنجة. وتحويل هذا المنبر ولسنوات الى وسيلة من وسائل تذكير الأمة باحتلال القدس. وتحريضها على تحرير الاقصى لإعادة المنبر إليه. حتى لقد بنى المنبر بطريقة لها دلالاتها. فقد بني منبر نور الدين بطريقة تجمع بين القوة والشكل الذي يتحد به التداخل والتعاضد بين القطع بطريقة تؤدي الى تقويتها وتثبيتها. وكأن نور الدين أراد ان يقول للناس من خلال بناء المنبر بهذه الطريقة.ان في الوحدة قوة وثبات.
وعند الحديث عن الوحدة لا بد من التركيز على وحدة بلاد الشام باعتبار فلسطين جزءًا منها. وكمقدمة لوحدة الأمة كلها. ان بلاد الشام هي أرض الرباط التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يعني إحياء مفهوم الرباط والمرابطة وخاصة فيما جاور فلسطين. وهي في المصطلحات الحديثة دول الطوق المحيطة بفلسطين.
ووحدة الأمة تعني أول ما تعني تحصينها ضد كل عوامل الفرقة. وأولها العصبيات المذهبية والعرقية ، وغيرها من العصبيات خاصة.
مقاصد العبادات
وفي اطار نشر ثقافة المقاومة يجب ان يتم توعية المسلمين علي مقاصد عباداتهم ركن الحج بما يعنيه من تذكير بوحدة المسلمين وبأولى القبلتين وثالث الحرمين وبشعيرة التقديس حيث كان المسلمون يكملون حجهم للكعبة بزيارة بيت المقدس. وحيث أن من أهل للحج أو العمرة من بيت المقدس فإن له أجراً مضاعفاً. لقوله عليه السلام "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الاقصى غفر له ما تقدم من ذنبه".
ولئن هذه العبادات لا تنفصل عن الكرامة والعزة والحرية. وكل القيم التي تتناقض مع الاستسلام للمحتل. لذلك عظم الاسلام من قيمة الشهادة. بعد ان جعل الجهاد ذروة سنام الاسلام. لان الامة التي يتسابق ابناؤها على الاستشهاد غير مبالين بالموت في سبيل الله ، أمة لا يمكن ان تقبل باحتلال أرضها. فكيف اذا كانت هذه الأرض المحتلة القدس أولى القبلتين ، وثالث الحرمين ، ومنتهى الاسراء ومبتدأ المعراج؟.
ثقافة المقاومة
وعندما نتحدث عن ثقافة المقاومة فإننا نعني كل صور الابداع كتاباً ودراسة وبحثاً ومقالة وقصة قصيرة ورواية ومسلسلاً وفلماً ومادة إعلامية. لتكون القدس محوراً رئيساً في ذلك كله. من خلال إقامة منظومات ثقافية وإعلامية متكاملة عن القدس. ومن أجل القدس وبكل اللغات. ومن خلال كل وسائل الاتصال مع ضرورة الانتباه للمصطلحات المتداولة بيننا ، خاصة في وسائل الاتصال ، وتأثير هذه المصطلحات على بناء الوعي ، ومنظومة المفاهيم. والعمل على تصحيحها لتتلائم دلالاتها مع ثقافة المقاومة.
كما يجب ان تكون القدس كمحور أساسي من محاور ثقافة المقاومة جزءاً من مناهج التعليم في بلادنا. وبمختلف مراحله وصولاً الى اقامة جامعة أو كلية في كل جامعة من جامعات بلادنا تُعنى بالقدس. ذلك أن اطفال الأمة وفتيانها هم مستقبلها ، الذي نريد ان يأتي والقدس حرة محررة. ومن خلال ذلك كله لا بد من أعادة قراءة تاريخ القدس قراءة معاصرة لبيان أهميتها ودورها الديني والحضاري ، وتوظيفهما من أجل التحريض على تحريرها لاستئناف هذا الدور في حياة أمتنا.
خطة للعمل اليومي
وحتى يصبح تحرير القدس هدفاً مركزياً لكل تحركاتنا. وحتى تظل القدس في بؤرة الضوء والاهتمام ، لا بد من وضع خطة عمل يومي من أجل القدس ، وتثبيت هويتها ، والتذكير بها. على ان تتولى تنفيذ هذه الخطة هيئة مركزية تضم نخبة من أبناء الأمة القادرين على ذلك في إطار السعي لحشد كل طاقات الأمة من أجل تحرير القدس باستخدام كل أساليب الصراع ابتداءً من المقاطعة الشاملة سياسياً واقتصادياً وإعلامياً للعدو ، ولكل المتعاونين ، معه والداعمين له ، وصولاً الى كل أساليب الصراع العسكري. خاصة الحرب الشعبية. وهذا يعني توطين الأمة على النفس الطويل. لان صراعها مع عدوها طويل يحتاج الى الصبر والمصابرة. كما يحتاج الى القيادة الكفؤة والمخلصة. وهذا يعني العمل على ايجاد آليات تربيةْ وإعدادْ وفرزْ للقيادات الحقيقية من أبناء الأمة في مختلف مجالات الحياة.
عنصر القيادة
أن القيادة عنصر حاسم من عناصر كسب الحروب وانتصار الأمم مع الحرص على تجسير العلاقة بين القائد والعالم. لان الفجوة بينهما من أسباب ضعف أمتنا. وتغلغل العدو في صفوفها. اما اتحاد العلم والقيادة في شخص واحد فإنه من أهم مقاييس قوة الأمة. مع التأكيد على انه اذا كانت مسؤولية القيادة نحو القدس وتحريرها مسؤولية كبيرة. فإن مسؤولية الشعوب نحو هذا التحرير أعم وأشمل. فتحرير يحتاج الى تفكير شامل ، تشارك فيه الأمة كلها. حتى لا يُهمل تفصيل من تفاصيل المعركة. وحتى يتم تبادل الخبرات والمعرفة بالعدو الصهيوني. فنعرف نقاط قوته ونقاط ضعفه وسبل التعامل مع كل منهما.
تثبيت المقدسيين
وحتى يتحقق ذلك كله فلا بد من ايجاد الأطر والآليات القادرة على تحقيقه. وأول ذلك ايجاد الأطر والآليات القادرة على تثبيت أهل القدس فيها. وإمدادهم بكل ما يعينهم على تحمل عمليات التضييق الاسرائيلي عليهم. من خلال خلق حالة من التماسك الاقتصادي لابناء القدس. وهذا يعني اقامة صندوق عالمي من أجل القدس يتولى جمع التبرعات من أجل تثبيت أهلها وهويتها. وتمويل آليات تحريرها من خلال إحياء المفهوم النبوي الذي أكد ان من جهز غازياً فقد غزا. وهنا لا بد من الانتباه لخطورة التمويل الاجنبي في القدس وضرورة استبداله بتمويل إسلامي.
لجان متابعة
وكي تتحول القدس الى هم يومي وشخصي لكل فرد منا ، فليسع كل منا الى وضع جدارية للقدس في مكان سكنه أو عمله. ولتُقم في كل مؤسسة أهلية أو رسمية لجنة لمتابعة شؤون القدس وجهود تحريرها. ولتُقم لجان على مختلف الصعد. وصولاً الى لجنة مركزية للقدس على مستوى الأمة. على ان تكون هذه اللجان فاعلة وعملية وتنفيذية. ولا تتوقف عند حدود الكلام. والكلام فقط. على ان تتولى هذه اللجان توحيد جهود الأمة وتكاملها من أجل تحرير القدس. بدلاً من تشتيتها وتضاربها وازدواجيتها على كل الصعد.
تحرير القدس يحتاج الى جهود بكل الاسلحة وفي كل المجالات بما في ذلك الجهود السياسية فلتستثمر كل القرارات الدولية التي تدين اسرائيل وليتم توثيق كل الجرائم والتغييرات التي أرتكبتها اسرائيل في القدس. مع السعي لقيام مشاريع دائمة لصيانة معالم القدس وحمايتها.
جهود سياسية
وفي إطار الجهود السياسية لا بد من مقاطعة اي دولة أو مؤسسة او منظمة تتعامل مع القدس كعاصمة للعدو الاسرائيلي. مع السعي لتفعيل اعتراف 124 دولة باعلان المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وترحيب الأمم المتحدة بهذا الاعلان. وتعديلها لمسمى بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لديها الى مسمى بعثة فلسطين.
وفي الاطار السياسي ايضاً ، لا بد من تفعيل قرارات مؤتمرات القمة والاسلامية وقرارات وزراء الخارجية الاسلامية ، وقرارات المؤتمرات الشعبية العربية والاسلامية حول القدس. مع إيماننا المطلق بان السياسة لا تحرر أرضاً لكنها عنصر من العناصر المساعدة ان أُحسن استغلالُها ، وتوظيفُها. فالقدس لن تتحرر الا بالجهاد والمقاومة لذلك لا بد من تشكيل جيش القدس. وتدريب الناس في بلادنا على القتال خاصة في مجال الحرب الشعبية ، وحرب العصابات ، فالمجتمع القادر على تحرير القدس هو مجتمع المقاومة.
القدس أولاً خلاصة القول: ان سقوط القدس بيد العدو هو دليل قاطع على الضعف العام الذي يصيب الأمة ونخر كيانها. وهو علامة على سيطرة الغفلة على أبنائها. كما انه دليل على ضعف قياداتها وقواها السياسية والفكرية والعسكرية. ذلك ان القدس لا تسقط الا عندما تتعطل في الأمة فريضة الجهاد. ويصيبها الضعف والوهن. وتُبتلى بحب الدنيا والميل الى الدعة والاسترخاء. وهي حالة لا يمكن الخروج منها الا بإعادة بناء وعيها المقاوم وتجسيد هذا الوعي في خطوات عملية. منها ما أشرنا اليه في الصفحات السابقة. فالقدس لا تحتاج الى ان نكثر الحديث عنها. وعن معالمها الدينية والأثرية. بل تحتاج الى التفكير بمستقبلها وبخطط تحريرها. لتكون القدس مصدر إلهام لبناء رؤية مستقبلية لأمتنا. لتجديد دورها الحضاري. وحتى يتحقق ذلك يجب ان نرفع شعار القدس أولاً. وان نضع دعاء للقدس نردده صبح مساء. لتظل القدس حاضرة في وجداننا وتصرفاتنا آناء الليل وأطراف النهار ، حتى تحريرها بالعمل المقاوم الذي يجسّد وعي الأمة المقاوم.

(87)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي