أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اغتصــــــــــــــــــاب ... محسن الوكيلي

ما زال الجرحُ طريا و لا زالت المدينة القابعة كصقر على تخوم الصحراء تسكنها و تثير بدواخلها شجون أول ليلة. تحاصرها كروب ذاكرتها و يلون الماضي الحي، الحاضر أبدا، عينيها الأطلسيتين بانكسارات المغيب.
كانت ككل صبايا الريف، خجولة، قوية و أصيلة.. تعانق رياح الشروق لترصد كل يوم أفراح البدايات، ثم تتعقب أحلامها كالظل، و حين يمسها الإعياء و تمسح السماءُ عن محياها آخر بقايا شغفِ النهار، ترحل إلى عالم أوسع، حيث حضن البتول.
لم ينمح العالم الأول في دواخلها، ما زالت أوراق الأشجار و أصوات مياه الغدير ترسم ذكرى فاتنة، حية، لكنها بعيدة.
تمنت لو أمكنها بتر شريط الزمن، لو تستطيع رتق الماضي البعيد بحاضر آخر ثابت، غير أن المدينة و أسوارها الباردة و شوارعها المبلطة الكئيبة خلفت في صخر معدنها النفيس نقوش البدائيين.

كانت بالمطبخ تنتظر الحساء حين زارهم رجل غريب، قيل لها إنه جاء من المدينة، و قيل إن المدينة عالم جميل.
تتذكر.. سقط المطر بالقنوط و نزل الليل بلحن حزين، حتى الكلاب التي كانت تدغدغ أحلام ليلها و تشعرها بالأمان أُخرِسَتْ، و أنشدت الريح طلائع عالم بديل.
تذكرت كذلك أن والدتها بكت و لم تخف عنها دموعها...

بعد شهر جاء الغريب و بمعيته رجلان و امرأة عجوز...
لم تشرق شمس الغد على روابي الأطلس، و ولى عالم حي خلف زحمة الناس و إشارات المرور.
ماذا قيل لوالدها ؟
لا تعلم.
و أما لُمَ سيقت إلى المدينة، فقد جاءها الجواب قبل أن تطرح السؤال :
بيعت بثمن بخس..

أربعة عشر ربيعا سقطوا على مشارف أول ليلة و عمر صيف طويل.. كبرت دفعة واحدة.. و صارت امرأة.

كاتب مغربي
(92)    هل أعجبتك المقالة (88)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي