دكتوراه في الإعلام - فرنسا
مرة أخرى تظهر للواجهة الخلافات التي يفتعلها أزلام المنطقة الخضراء ضد دمشق، فقد أعلن هوشيار زيباري قبل يومين أن المحادثات قد توقفت مع دمشق ولم تحقق أية نتيجة، وأن العراق سيلجأ لمجلس الأمن لتدويل قضية تفجيرات الأربعاء الدامي وسيطالب بتشكيل محكمة جنائية للمتورطين فيها، وهو يقصد بذلك البعثيين العراقيين في دمشق ودمشق نفسها بحكم أنها أوَتهم وسهلت لهم تلك المهمة.
لقد استطاعت الدبلوماسية السورية تحقيق قفزة نوعية على صعيد العلاقات الخارجية تمثل في تحديد موعد التوقيع على اتفاق الشراكة الأوربية، الأمر الذي امتعض الكيان الصهيوني منه ولا يزال.
هذا الكيان الغاصب الذي حاول بشتى الوسائل منع ذلك الاتفاق وإحباطه.
ثم حققت سورية اتفاقية لا تقل أهمية عن الأولى وهي إنشاء المجلس التركي السوري رفيع المستوى، وإلغاء التأشيرات بين البلدين، وأصبحت سورية بوابة تركية للانفتاح على العالمين العربي والإسلامي.
إن الاحتفالات الرسمية والابتهاجات الشعبية التي رافقت هذا الحدث التاريخي، جعلت المسؤولين الصهاينة يعضون أصابعهم من الغيظ، خاصة وأن تركيا ألغت في الوقت نفسه مناورات "نسر الأناضول" مع العدو الصهيوني، وأصر طيب رجب أردوغان على تحريك تقرير غولدستون في مجلس الأمن.
في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية التركي قال السيد وليد المعلم، إن سورية تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وإن عمله محظور داخل سورية.
ولما كان زيباري، أحد موظفي الكيان الصهيوني فيما يسمى الخارجية العراقية، أسرع على الفور بإعلان توقيف المحادثات مع سورية فيما يتعلق بقضية تفجيرات الأربعاء الدامي.
فالصفعات التي وجهتها سورية وتركيا إلى الكيان الصهيوني، ثم تصريحات المعلم تجاه حزب العمال، أديا على الفور إلى تحرك مسؤولي الكيان باتجاه الضغط على سورية، ولم يجدوا أمامهم خيراً من زيباري الذي جاء مع العدو الأمريكي إلى العراق، فهو رجل مطيع لا مانع عنده من تنفيذ ما يملى عليه دون اعتراض ولا حتى تفكير.
زيباري يريد أن يدول الأزمة مع سورية، ويتقدم بطلب لمجلس الأمن لمحاسبة أولئك الذين قتلوا مئة عراقي. متناسياً في الوقت نفسه، أن القوات الأمريكية ومن ورائه الموساد وأصحاب زيباري نفسه، قد قتلوا ربع مليون عراقي حتى اليوم، ولا يزالون ينشرون القتل يمنة ويسرة، ناهيك عمن شُرد أو شوه أو قطعت يداه ورجلاه جراء الغارات الإجرامية الأمريكية.
سورية تسجل اليوم حدثاُ تاريخياً بتقاربها مع تركيا، وتلطم الكيان الصهيوني على وجهه، وإن التحالف الاستراتجي بين تركيا وسورية يعني آلياً تراجع التحالف الصهيوني المعروف سابقًا مع تركيا ويعني عودة أنقرة إلى خطها الإسلامي، وإدراكها أن عمقها الاستراتيجي هو في المنطقة العربية والإسلامية. وهذا يعني انحسار الدور الصهيوني وإضعاف نفوذه. وهذا يعني أيضاً أن سورية ستقف لا محالة إلى جانب تركيا فيما يتعلق بالموقف من حزب العمال الكردستاني، وهذا ما أغضب زيباري ومن عينه، ولا يعتقد أحد أن زيباري غار على دماء العراقيين، وهزت مشاعره تفجيرات الأربعاء الأسود. فلو كان الأمر كذلك، لما ساهم زيباري نفسه بتفتيت العراق وبالتآمر لإخراجه من إطاره العربي الأصيل.
في شهر شباط عام 2007 توترت العلاقات السورية مع جماعة المنطقة الخضراء، وقد استبشرنا بذلك خيراً، ونصحنا وقتها الحكومة السورية ألا تثق بمن جاء مع العدو وألا تعترف به وألا تعطيه شرعية لأن ذلك يساهم في شرعنة الاحتلال نفسه. ولكن الحكومة السورية كان لها رأي آخر فهي تريد أن تعيد العراق إلى الحضن العربي، وتريد أن تبحث عن دور عربي هناك، يحجم التدخل الأجنبي في هذا البلد، بعد أن تدخل العالم كله في مجريات الحياة العراقية إثر سقوط بغداد ورحيل القائد الشهيد صدام حسين جعله الله في عليين.
لقد كانت رؤيتنا واضحة، لا تعامل مع الاحتلال ولا تعامل مع من عيّنه الاحتلال. بالنتيجة تحسنت العلاقات بين دمشق والمنطقة الخضراء وتم تبادل السفراء. ولكن قبل فترة قصيرة عادت الخلافات للواجهة، إذا اتهم زيباري وعلي الدباغ وغيرهم سورية بأنها المسؤولة عن تفجيرات العراق الأخيرة، وقد استبشرنا خيراً مرة أخرى وتأكدت نظرتنا للأمور بأن الذنَب لا يساوى بالأنف، وأن الذي خان شعبه ونكل به لهو مستعد أن يغدر الجيران والأشقاء.
لقد كان الموقف السوري هادئاً ودبلوماسياً وطالبت دمشق أن يقدم الدباغ وصحبه أدلة وافيه على ضلوع رجال البعث الموجودين في سورية بهذه التفجيرات، لكن الطرف الآخر لم يستجب، وعقدت عدة جولات من المحادثات بين الطرفين وبدا وكأن الأمور هدأت.ولما حدث ما حدث من تقارب سوري تركي ومن تصريحات المعلم ضد حزب العمال ثار الموضوع من جديد، وأراد القوم تدويل الأزمة.
لماذا لا يدولونها، ويضعونها على طاولة أوباما أو حتى نتنياهو،، فهؤلاء جاؤوا بأولئك. وماذا يضير زيباري أن يتفتت العالم العربي أكثر من تفتته فهو لا ينتمي لهذا العالم، ويكفيه منصب وزير الخارجية وظهوره على التلفزة وإطلاقه التصريحات.
إن ما حدث اليوم لا يضيرنا، بل يؤكد ما قلناه مراراً وتكراراً من أن على سورية أن تقطع العلاقات مع المنطقة الخضراء نهائياً وتعلن الطرد النهائي لما يسمى السفير العراقي، وتسحب اعترافها بالحكومة الحالية في العراق. بل وعلى القيادة في دمشق، أن تسلح المقاومين، وترسلهم إلى العراق وتفتح أبواب التطوع، وتقاتل إلى جانب شعب العراق، ليس فقط أن تقاتل أمريكا والموساد هناك، بل عليها أن تقاتل زيباري والدباغ وكل من جاء به الاحتلال وأعطاه منصب لا يستحقه في بلاد الرافدين العظيمة.
زيباري وأقرانه، هم المكروهون في العراق وفي العالم العربي والإسلامي ، ليفعلوا ما يشاءون، يدولون الأزمة أم لا، شعب العراق يعرف من هم وكيف جاءوا وسيحاسبهم يوماً، والتاريخ سيذكرهم في باب ابن العلقمي والطوسي و"سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية