ما الهدف الذي تنشده حركة حماس من وراء هجومها الإعلامي غير المسبوق في حجمه وقوته ضد محمود عباس بعد فضيحة "غولدستون غيت"؟ وبعبارة أخرى، ما الهدف السياسي أو جملة الأهداف السياسية التي تسعى حماس لتحقيقها في هذه المرحلة الخطيرة التي انكشف فيها دور عباس وجماعته في خدمة المشروع الصهيوني؟
يجب أن تكون الأهداف السياسية لحركة حماس واضحة من هذه الحملة الإعلامية التي تشنها على محمود عباس، وأنا بصفتي مواطن فلسطيني لا أعترض على الهجوم الإعلامي عليه، فعباس يستحق الفضح والتعرية والتنديد، بل يستحق ما هو أكثر من ذلك بكثير، ليس على جريمته الأخيرة فحسب، وإنما على جرائمه العديدة بحق الشعب الفلسطيني وعلى مواقفه المخزية إزاء قضية فلسطين، ولكنني أسعى في هذه المقالة لفهم هدف حماس من تلك الحملة الإعلامية الواسعة، إذ لا معنى لهذه الحملة دون أن تسهم في تحقيق هدف سياسي واضح.
هل تريد حماس إثبات تهمة الخيانة على عباس تمهيداً لإقالته من السلطة وطرده هو وجماعته من الحياة السياسية الفلسطينية؟ ولكن هل تملك حماس ذلك وهل تستطيع ملء الفراغ الناجم بطريقة تسهم في إحباط مشاريع التسوية السياسية الاستسلامية لقضية فلسطين؟ الواقع يقول إن الصهاينة والأمريكيين وحلفاءهم الأوروبيين هم الذين يملكون ملء الفراغ عبر إيجاد قيادة بديلة، وربما تكون هذه القيادة البديلة جاهزة الآن لاستلام السلطة، لتحقق أهدافهم وتخدم مصالحهم وتعزز نهج التسوية الاستسلامية لقضية فلسطين. وفي هذه الحالة، ستساعد الحملة الإعلامية ضد عباس في تهيئة الرأي العام الفلسطيني والعربي لاستقبال تلك القيادة البديلة، لتبدأ فصلاً جديداً من لعبة التسوية، ولتلهي الشعب الفلسطيني بما يسمى "علمية السلام".
ولا أستبعد في إطار هذا السيناريو المحتمل أن تتمكن القيادة البديلة من عقد مصالحة وطنية مع حماس وتوريطها مرة أخرى في السلطة بسقف أوسلو وتحت سلطة الاحتلال، وهذا بالتأكيد سيقود شعبنا إلى انقسام جديد، لأن حركة حماس لن تقبل التنازل عن الثوابت والتفريط بالحقوق، ولأنها لن تتخلى عن المقاومة، وهذا يبقي باب الصراع مفتوحاً على مصراعيه. وفي هذه الحالة، هل استفاد شعبنا من طرد عباس من السلطة وتسليمها لقيادة بديلة خاضعة لاشتراطات المجتمع الدولي ومعاييره؟
أم هل تهدف الحملة الإعلامية التي تشنها حماس ضد عباس تبرير رفضها للمصالحة وفق الورقة المصرية مع عباس وجماعته وإلقاء اللوم عليه في فشل الحوار بسبب جريمة سحب تقرير غولدستون؟ من الواضح أن حماس لا تقول ذلك صراحة، فهي لا تزال تؤكد عبر وسائل الإعلام تمسكها بالمصالحة والحوار، وهي تبرر تأجيل الحوار بغضب الشعب الفلسطيني على عباس. فهل حماس بحاجة إلى مبررات لرفض المصالحة؟ وهل هذه الجريمة هي الوحيدة التي ارتكبتها سلطة أوسلو ضد الشعب الفلسطيني أم هي القشة التي قصمت ظهر البعير؟ علينا أن نكون واضحين، وعلينا أن نوعي شعبنا بحكمة وعقلانية بدلا من الاكتفاء بتأجيج مشاعره وعواطفه.
وهل تهدف حماس من حملتها الإعلامية ضد عباس إلى زيادة شعبيتها؟ من حق حماس أن تروج نهجها المقاوم وتحشد الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي ضد نهج الاستسلام، ومن حقها أن تزيد شعبيتها في فلسطين المحتلة وخارجها، مع العلم أن شعبيتها تتعاظم بشكل واضح في منطقتنا العربية والإسلامية، بل واجب على حماس أن تزيد شعبيتها كماً ونوعاً وانتشاراً. ولكن يجب أن يكون هدف حماس من زيادة شعبيتها واضح، فعلى المستوى المحلي، هل تسعى حماس لخوض انتخابات عامة جديدة؟ وما هي الخطة الاستراتيجية التي تأتي مشاركة حماس في الانتخابات في سياقها؟ وهل ستؤدي مشاركة حماس في الانتخابات إلى حل مشكلة الانقسام الداخلي أم إلى تصعيده؟ يجب أن يكون واضحاً إلى أين حركة حماس ذاهبة!
هناك أسئلة كثيرة حول ما تريده حركة حماس من عباس لا بد من الإجابة عليها بوضوح، ولا بد من وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالمرحلة الخطيرة التي وصلت إليها قضية فلسطين، حيث تحول الصراع العربي - الصهيوني إلى صراع فلسطيني - فلسطيني! وأرى أن هدم سلطة أوسلو العميلة المقيدة بالتزامات أمنية لصالح العدو الصهيوني واتفاقيات دولية مرهقة للشعب الفلسطيني هدف يجب أن يبقى على رأس الأولويات الفلسطينية.
14/10/2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية