ويسألني صديقي: لماذا تحول الطب لدينا إلى تجارة ؟ لماذا يصر الطبيب على قبض ثمن عمليته؟ قبل أن يجريها حتى وبغض النظر عن النتيجة سواء كانت حياة أو موتاً.
لماذا يقف طوابير المرضى الذين يعانون المرض العضال على أبواب المشفى ينتظرون جرعة الدواء التي قد تمنحهم فرصة ثانية للحياة ؟ بينما يسرق الدواء من صيدليات المشفى العمومي ليباع في الصيدليات الخاصة بمبالغ باهظة ، لا يقدر على دفعها سوى فئة قليلة جدا من الناس ، أما غير القادرين على دفع ثمن الدواء المسروق فمصيرهم الموت بعد المعاناة من الآلام التي لا تطاق.
لماذا يا صديقي العزيز لم نعد نسمي الطبيب بالحكيم ؟هل فقد الحكمة واكتفى بالمشرط ؟ أين أطباء زمان حيث كانت مراتبهم بعد الأنبياء مباشرة؟ كيف لا وهم الذين ينقذون الأجساد المريضة بإذن الله ويرسمون البسمة على الوجوه البائسة، أين صدرهم الرحب الواسع والمتسع لكل الآهات والأوجاع ؟ أين صبرهم وسهرهم إلى جانب مرضاهم ؟ هل وصل الفساد إلى الصدور والنفوس أيضا يا صاحبي ؟!
لم أدري كيف وبما أجيب صديقي العزيز عن تساؤلاته وشكواه من ضيق الحال وسقم الجسد ، أأقول له اذهب إلى أي مجلس وليدخل خلفك لص غني يركب مرسيدس وطبيب شريف يا دوب يمشي حاله، لمن سيقوم الجميع ،للطبيب الشريف ، أم للص المليونير ، حتما يا صاحبي سيقومون للص المليونير ، صاحب الأعمال والأيادي التي تنشر النعم على الفقراء والمساكين، أأقول له أن موظفا لم يجتز المرحلة الابتدائية في التعليم لديه فيلا ويركن أمام بيته سيارات أربع ولديه ابن يدرس في بريطانيا على نفقته الخاصة ، بينما يتباهى ولده الآخر أمام الأصحاب والصاحبات إن والده شاطر 00شاطر، في حين إن طبيباً فذاً أو محامياً شريفاً أفنى عمره في الدراسة والعلم يعيش في بيت من طين ويركب باصات النقل الداخلي يوميا ليصل إلى محل عمله .
ماذا أرد عليه وقد ردت عليه إحدى الوزيرات حين أكدت أن بلدنا ينتج العقول الرخيصة، ومن يرغب في الاستيراد فالأبواب مفتوحة والأجور رخيصة والإخلاص في العمل علامة مميزة ، ماذا أرد عليه وقد ردت عليه الهيئة الدولية وحذرت من كارثة إنسانية قادمة نتيجة الجفاف والإهمال الحكومي ولا بد من تضافر الجهود الدولية والمحلية لمواجهة ما قد يأتي.
نعم يا صديقي نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت البيوت الطينية تفترش ثلاثة أرباع الأرض في منطقتنا التي كانت تسمى سابقا بالجزيرة الخضراء ، والتي لم يتبقى فيها سوى أبواب موصدة ، وبعض السماسرة الذين يخططون مشاريع في الهواء لأناس نزحوا منها منذ وقت طويل ، إننا في زمن لم يعد للمثقف دور ،ولا للطبيب الشريف دور، ولا للصحفي الشريف دور، ورأي في قضية تخص مستقبله ومستقبل أولاده ، أصبحت كل الأدوار للسماسرة الكبار وتجار الكلمات والممنوعات ، لأصحاب النفوس الوضيعة والمتسلطين على رقاب التعساء ، للمتذللين والمتمسكنين والنطاطين على الحيطان ، للمرابين والمنافقين ، لروبي وهيفاء ونانسي واليسا ، نعم غرقنا في القضايا الكبيرة ونسينا البحث في التفاصيل ، حملنا على أكتافنا هموم كل العالم من المشرق إلى المغرب ، صفقنا للمناضلين والثوار ورفعنا صورهم عاليا ، بذلنا كل ما نملك في سبيل القضايا الإنسانية ونسينا أن نستر جسدنا وجسد أطفالنا بثياب نظيفة ، نسينا أو تناسينا إن لهم علينا حقوق في الحياة الآمنة والعيش الرغيد ، كتبنا كثيرا عن الأحرار في العالم وعن السلام في العالم وبقينا مقيدين بأغلال التقاليد محرومين من السلام الداخلي ، هل أخطأنا لأننا لم نكن أنانيين ؟ متسلقين على أكتاف الغير ، فاسدين ومفسدين ، ربما ، لكن هل بقي لنا ولو ركن بسيط نرتاح فيه وسط هذه الدائرة التي تعج بنفس الوجوه ونفس السحنات ، مسرحيات مختلفة والأبطال أنفسهم أنفسهم ، ربما لم يعد لنا نحن الذين نعتبر أنفسنا مثقفين وشرفاء مكان ، ربما ،وربما ليس الأمر كذلك ، لكن الحقيقة انه يوما بعد يوم تضيق الدائرة على الشرفاء وتتسع دائرة الفاسدين والمنافقين والدجالين ،ولكن كما يقال المثل الشعبي لو خليت خربت وعسى أن تبقى ديارنا ودياركم عامرة ،ويبقى فيها ولو مقاعد قليلة لبعض الشرفاء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية