لمن يذكر كان هذا العنوان هو عنوانا لمسرحية كوميدية للثنائي المبدع نبيل صوالحة وهشام يانس انتجاها بعد توقيع معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية بوقت قصير، وكانت كمعظم انتاجهما تعتمد اسلوب السخرية من الواقع السياسي والاجتماعي المحلي والدولي على حد سواء، واذكر من مشاهدها مشهدا كان يدور حول جائزة نوبل للسلام التي اشترك بها العام 1994 الاسرائيليان شمعون بيريز واسحاق رابين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي فازوا بها متساوين على قدم واحدة رغم ان الخاسر الوحيد في المعادلة كان ياسر عرفات وشعب فلسطين، لكن وبقدرة سياسية دولية كوفئ الاسرائيليون على احتلالهم لفلسطين وتنكيلهم بشعبها ثم القبول بمنح هذا الشعب مستوطنة محددة داخل ارضه، بثلثي جائزة نوبل للسلام فيما حصل المنكل بهم والخاسر الوحيد في المعادلة على ثلث الفضل، فسبحان السياسة والساسة!!!
واليوم يطل علينا ارباب القدرة السياسية الدولية بمعجزة جديدة هي منح الرئيس الامريكي باراك اوباما جائزة نوبل للسلام بسبب -والتعبير هنا للجنة الجائزة-: (جهوده «الاستثنائية» من أجل تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب وإحلال السلام العالمي وخفض مخزون العالم من أسلحة الدمار الشامل ومساهمته فى تعزيز الحوار لحل القضايا الشائكة)، فمتى استطاع المبارك اوباما القيام بكل هذا وهو الذي لم يمض عليه في منصبه سوى 9 اشهر قضى جلها مشغولا بمصائب بلده الداخلية، فمتى حصل هذا الحَمْلُ العجيب الذي تمخض بعد 9 اشهر بالتمام والكمال عن ولادة جائزة نوبل للسلام التي في ذات الاسبوع منحت لثلاثة من كبار علماء الفيزياء والذين عُلل منحهم للجائزة بآلاف العبارات والكلمات والتي عجزت عن وصف منجزهم فاضطرت لجنة الجائزة ختاما لوصفهم بأنهم (أرباب الضوء)، هذا بعد ان عملوا على مخترعاتهم الحقيقية الملموسة لعقود!! ثم يأتي المبارك باراك فيحصدها في 9 اشهر ويُبرر ذلك بـ23 كلمة، فكان كل ما فعل ياسر عرفات في حياته وقبوله المساومة على قضية شعبه وأمته يعادل بالضبط ثلث ما قام به اوباما في تسعة اشهر او ما قامت به الام تريزا مثلا في اكثر من 90 عاما من حياتها، فسبحان السياسة والسياسيين!!!
اما النكتة الاكبر فكانت صيحات الاعجاب والقبول من الاوساط العربية، وهنا نستثني الرسمية منها لانها بالطبع لا تملك الا الموافقة واظهار الاعجاب، لكن المشكلة ظهرت في الاوساط الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني التي لم يتوانى بعضها وبعضهم عن تدبيج المقالات والخطابات في مدح اوباما وانجازه الكبير بل ونشر التهاني له على صفحات الصحف تماما كما فعل بعضهم عندما نجح في انتخابات الرئاسة بما لا يمكن وصفه سوى بالخبل او بالعامية (الهبل) والسقوط، في حين وفي امريكا ذاتها تعالت صيحات الرفض والاستغراب وقد يكون احسن تفسير سمعته حول منح اوباما الجائزة جاء من احد سياسيي واشنطن على شاشة (سي إن إن) عندما قال: ان اوباما بِطَلّته الجميلة وحالته الفريدة في الوصول الاشبه بقصص هوليوود السينمائية فتن لجنة نوبل فمنحوه الجائزة على طريقة (افتتان فتاة مراهقة بمغني روك اند رول).. وهو بصراحة الامر الذي بدى واضحا من الابتسامة البلهاء التي علت شفتي رئيس اللجنة وهو يعلن الخبر حيث كانت اشبه بابتسامة فتاة في بداية المراهقة سمعت كلمة اطراء من شاب وسيم جدا. فيما قال المتفائلون منهم والذين لا يريدون اغضاب الرجل او افساد فرحته ان الجائزة منحت له وهو غير مستحق لها، لكنها منحت له على امل ان يكون لهذه المسألة ((أثر تشجيعي في تحقيق نتائج حقيقية))، حيث ان هؤلاء يعلمون تماما ان منح الجائزة لاوباما وهو ما يزال في منصبه هو بمثابة منحها لامريكا كاملة وللسياسة الامريكية التي لا تتغير بتغير الرئيس او الحزب الحاكم خصوصا على الصعيد الخارجي، فكأن نوبل كافأت امريكا على 8 سنوات من الدم والدمار والجرائم في حق البشرية املا في ان يغيرها ذلك.
مُنح اوباما جائزة نوبل للسلام في ذات اليوم الذي حاول فيه اسرائيليون تحت حماية الجيش الاسرائيلي اجتياح الاقصى وهدمه وقاموا بالتنكيل بالمعتصمين الفلسطينيين، وبعد يوم واحد من تأكيد ليبرمان للمبعوث الامريكي أن اسرائيل ترفض مجرد النظر في اي من ترتيبات الوضع النهائي للسلام، وفي ذات الاسبوع الذي قرر فيه أوباما رفع تعداد القوات الامريكية في افغانستان الى 100 الف جندي بعد ان كانوا قرابة الـ60، وبعد اسبوعين من تأييده لخطاب نتنياهو العنصري الذي يؤكد اعدام السلام في الشرق الاوسط، وبعد 9 اشهر من توليه منصبه ووعده بسحب القوات الامريكية من العراق واغلاق معتقل جوانتانامو والسجون التابعة لامريكا في العراق وكشف جرائم التعذيب واخفاء المعلومات في عهد سلفه بوش الصغير والتي حتى اللحظة لم يحدث منها شيء، وبالتالي فإن اوباما مُنح جائزة نوبل لقاء قضاء بضع ساعات في الحديث مع هذا ومع ذاك في محاولة لـ(تقريب وجهات النظر)، وهنا احب ان ابشر لجنة نوبل والمطبلين لانجاز اوباما ان اي من قراء هذا المقال لو منح الفرصة للجلوس مثلا مع احمدي نجاد لساعة ثم جلس بعدها مع اوباما لساعة اخرى فلا بد سينجح ايضا في (تقريب وجهات النظر) حول المشروع النووي الايراني بين الطرفين.... فسبحان السياسة والسياسيين!!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية