صباح السبت واثناء دخولي الى العمل اصطدم بي شاب اثناء خروجه من المكان، كان محملا بعدد من الحقائب الصغيرة والاجهزة الغريبة، نظرت اليه وابتسمت، ورغم انه هو من اصطدم بي الا انني كنت اوشك على الاعتذار عندما نظرت الى وجهه لأرى نظرة من القرف والغضب -الذي يبدو انه نتج عن خطئي الفظيع في حق سعادته- تعلو محياه، ألقى عليّ قرفه واكمل طريقه. بصراحة أردت أن أضربه لولا ذلك المظهر الطفولي جدا الذي يغلب عليه: شكله، ملبسه وحتى مشيته التي تبدو فيها عظام حوضه بارزة من تحت بنطلونه الجينز (ابو خصر ساحل).
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ودخلت المبنى، سألت احد الموجودين عن هوية هذا الاسد الهزبر فقالوا انه قارئ عداد شركة الكهرباء، وانه جاء مهددا متوعدا بقطع التيار لولا ان الشباب رجوه واقنعوه بالصبر حتى آخر النهار حتى ندفع الفاتورة.
اوشكت ان استدير واخرج راكضا الى شركة الكهرباء لولا انني تذكرت فجأة ان فاتورة الكهرباء قد دفعت قبل اسبوع بالكاد، وبالاحرى في فترة ما قبل ظهر يوم الاحد الذي سبق... ناديت الموظف المسؤول عن هذه المسائل واستفسرت منه فأكد لي انه دفع الفاتورة، ثم أتى بالوصل وسِجل المتابعات الخاص به والذي يوضح بالتفصيل موعد الدفع ويومه والقيمة المدفوعة وحتى مركز الدفع، -والذي لأجل الغرابة كان احد مكاتب شركة الكهرباء ليس بنكا ولا مكتبا بريديا-، وعلى الفور خرجت وإياه بمعية وصل الكهرباء المدفوع والمختوم الى أقرب مكتب لشركة الكهرباء.
وصلنا الى الموظف المختص وبعد عدة كبسات على الكمبيوتر، ومشاورات مع الاهل والزملاء والاصدقاء، وتفحص دقيق للايصال المختوم، خرج بنتيجة ألمعيّة وهي ان الفاتورة مدفوعة!!! وبعد شكره الجزيل على تفسيره للماء بالماء طلبت تفسيرا واضحا لما حدث صباح ذلك اليوم، فأجاب بكل برود: ((لِسّا ما نزلت على الكمبيوتر!!!))، بصراحة كان عذره اقبح من الذنب، فكيف من الممكن ان اقف قبل اسبوع امام فخامة الكمبيوتر شخصيا واسلمه المبلغ يدا بيد ثم يمنحني فخامته ايصالا بالدفع، وبعد اسبوع تكون الفاتورة (مش نازلة)؟!؟ هل الكمبيوتر بهذا الغباء؟!؟ ام انه بهذا البُطء؟!؟ بصراحة لم يحر الرجل جوابا، وقد اشفقت عليه وهو يعيد ذات العبارة بتوتر مثل اسطوانة مشروخة (عَلّقت) عند ذات المقطع. خرجت من المكان وانا أرجوهم الا يعيدوا ارسال صاحبنا اياه مرة اخرى لانه إن جاء بقرفه وتهديداته بفصل الكهرباء (مسددة القيمة) مرة اخرى فإنه لن يفلت من بين يدي سليما بكل تأكيد، وبالفعل لم أر وجهه مرة اخرى حتى لحظة كتابة هذه السطور.
ليست المشكلة فيما سبق في صاحبنا بطل (كمال العظام) الذي أراد فصل الكهرباء لولا الترجي وبوس اللحى، فهو في النهاية يؤدي وظيفته، وإن كان بإمكانه ان يؤديها بشكل ألطف واكثر تحضرا وأدبا مما حدث، خصوصا وهو موظف خدمة عامة عليه ان يراعي انه يتعامل مع مختلف الاطياف والاطباع، وتخيلت لو ان الله مَنّ عليه بقليل من الصحة والهيبة فكيف كان سيتصرف.... اظن انه لن يفصل التيار بل سينتزع عداد كل من يتأخر عن الدفع بيديه العاريتين!!
كما ان المشكلة ليست في موظف الشركة الذي أوشك ان يأخذ الوصل المدفوع الى المختبر الجنائي لفحصه ولم يُبْقِ احدا الا وشاوره رغم ان المشكلة والحل ظهرا أمامه من اول كبسة زر على جهازه، بل المشكلة الحقيقية في (حريق هالوالدين الكمبيوتر) الذي يأبى ان يقوم بعمله ويصر على إظهار كافة موظفي القطاعين العام والخاص وحتى القطاع التطوعي بمظهر سيء وكأنهم هم من لا يقومون بوظائفهم!!! والمشكلة الاخرى و الهامشية هي انه لو ان قارئ العداد قام بفصل التيار فعليا في ذلك الصباح فكيف لهذه المؤسسة ان تعمل؟ وماذا لو كنا بانتظار ضيوف في ذلك اليوم؟ ماذا كان ظنهم سيكون بمؤسسة لا تدفع فواتيرها؟ ثم اذا كانت اخطاء شركة المياه سببها الكمبيوتر، وانقطاعات التيار الكهربائي ناتجة عن خلل الكمبيوتر، وتأخر صرف الرواتب والمستحقات نتيجة بُخل الكمبيوتر، وخروج السعودية من كأس العالم بفعل الكمبيوتر، والأزمة المالية العالمية ليست الا خطأ في قراءات الكمبيوتر، فلماذا لا نحرق هذا الكمبيوتر ونرتاح منه؟!؟
سأقول لكم لماذا... لأن هذا الكمبيوتر ليس الا كتلة صماء من المعدن والاسلاك والدارات والموصلات التي لا تفقه شيئا ولا تؤدي الا وفق ما تُغذى به من معلومات وأوامر وبرمجيات، وعندما «يخطئ» الكمبيوتر فكلنا يعلم ان الخطأ هو خطأ ذلك الموظف الذي يعمل على هذا الكمبيوتر، لكن لأن الكمبيوتر آلة صماء لا تستطيع ان تنطق بغباء مشغلها وضعف همته وقدرته، ولأن هذا المشغل غالبا يظن المواطن في ذات مستوى غبائه او أكثر غباء فإن الكمبيوتر يتحول بقدرة إلهية الى شماعة يعلقون عليها أخطاءهم.... فالى متى؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية