أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحيـــــــة للأسد، فقد منـــــــع عباساً... د. عوض السليمان

دكتوراه في الإعلام - فرنسا


ماذا يمكن أن يقال أكثر مما قيل حول ما فعله محمود عباس من موافقته على تأجيل مناقشة تقرير جولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. ومع عدم ثقتنا بمجلس حقوق الإنسان هذا، وعدم ثقتنا بالأمم المتحدة ولا بمنظماتها بقطع النظر عن الاسم، لكن الصدمة مما فعله عباس تجاوزت حدود العقل ومداركه.

 إذ لم نفهم كيف يقوم" الرئيس الفلسطيني" بالدفاع عن الصهاينة الذين فتكوا خلال ثلاثة وعشرين يوماً بأجساد الأطفال في غزة، واستخدموا الفوسفور الأبيض لإبادة الناس وحرقهم والتمثيل يجثثهم.


هل بلغ الإسفاف حداً أن تدافع الضحية عن قاتلها، وأن يتآمر الأخ مع عدوه ضد أخيه. ما فعل فعلة عباس أحد ولا العلقمي ولا الطوسي، إذ تجاوز تصرفه كل الحدود، ولم يعد ينفع مع هذه الشخصية إلا المحاكمة العلنية من الشعب الفلسطيني الذي دفع ولا يزال دماء أبنائه ليس في سبيل رفعة فلسطين فحسب، بل في سبيل مجد الأمة العربية والإسلامية جمعاء.


نعم، لا بد أن يحاكم الرجل وأن تطبق عليه القوانين الفلسطينية، أياً كانت النتيجة. فما فعله يندى له الجبين، إذ لم يكتف على مدار عدة سنوات بتقديم التنازلات للعدو الصهيوني، والتصفيق لعملية السلام التي تعني بيع فلسطين التاريخية للعدو، بل بلغ به الأمر حداً أن يدافع عن العدو في المحافل الدولية بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.


لو كان عباس ثائراً واضعاً روحه على كفه، وكفنه على كتفه، وسلاحه بيديه، لقلنا أن الرجل لا يريد المنظمات الدولية ومن ورائها، بل يريد أن ينتقم لأبناء غزة الذين قضوا دفاعاً عن فلسطين ولكن ما عرف هذا الرجل إلا بلهاثه وراء تلك المنظمات وحديثه عن السلام والاستسلام، حتى أنه انتقد صواريخ المقاومة، وعنّف الاستشهاديين الذين يدافعون عن فلسطين.


ومع معرفتنا جيداً بعباس وأصحابه، لكننا لم نعتقد يوماً أن يصل هذا الموصل وينزل هذه المنزلة، فيدافع عن الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، ويخسر ورقة رابحة، كانت ستكون سبباً في تعرية الوجه الحقيقي للصهاينة أمام محبيهم من الغرب المتمدن، غرب الشذوذ واللواط.


وبعد قمتي الدوحة والكويت والتي قرر فيها المجتمعون، أن تحاول المجموعة العربية تقديم قادة الصهاينة للعالم بوصفهم مجرمي حرب وتطاردهم قانونياً، جاء عباس ومن خلفه فطالبوا أن يؤجل نقاش تقرير جولدستون، كأن الذين استشهدوا في غزة ، وحاشا لله، لا يستحقون أن نطالب بدمائهم.


ماذا بقي بعد لحركة فتح إلا تنتفض على هذا الرجل، الذي أراد ويريد تدمير هذه الحركة وإلباسها ثوب العار، والذي يبذل الغالي والرخيص للقضاء على أية مقاومة في فلسطين ليصبح بعد ذلك رئيسا لدولة ما فيها من مقومات الدولة، إلا سيارة الرئيس الفارهة وأمواله في البنوك الأوروبية.


لا أعتقد أن الدول العربية غضبت من عباس ولن تفعل، ولا شك أن وراء الأكمة ما ورائها، ولا ريب أن دولاً عربية حرضت الوفد الفلسطيني على المطالبة بتأجيل نقاش التقرير، فالدول العربية أيضاً دول سلام واعتدال، وتخشى على حمامة السلام أن تفر من بين يديها.
ومع اقتناعنا أن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل محمود عباس، فإن مسؤولية أخرى تقع على عاتق الدول العربية التي صمتت عما فعله الرجل وكأن الأمر لا يعنيها، كما تقع هذه المسؤولية على كاهل منظمة المؤتمر الإسلامي أيضاً.


إن أقل ما تفعله الدول العربية الآن، ولن تفعل، أن تسقط اعترافها بعباس، كرئيس للسلطة الفلسطينية أو خليفة للشهيد ياسر عرفات، فترفضه وترفض استقباله على أراضيها، ومع علمي أن هذا لن يحدث وأن دول الاعتدال ستستقبل عباساً كالفاتحين بعد جريمته هذه، إلا أن مطالبة شعبية واسعة النطاق بهذه النقطة أمر محمود العواقب ويشعر القيادات العربية أن في هذه الشعوب حياة بالرغم من " مهند" ولميس" وبالرغم من كل الخيبات والهزائم التي فرضت علينا.


لقد تفاجئنا أيضا بتصريح رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي الذي قال إن الوفد الفلسطيني هو الذي قرر عدم مناقشة التقرير، وبالتالي فلا تستطيع المنظمة الضغط باتجاه مغاير. إن رئيس المنظمة على ما يبدو لا يعرف الإسلام ولم يسمع به، فالذين استشهدوا في غزة من المسلمين، وإن أراد عباس أو لم يرد فإن على المنظمة المطالبة بدمائهم ليس فقط من الصهاينة وما يسمى المجتمع الدولي ولكن من عباس نفسه وكل حاكم عربي رأى الموت ينهال على غزة فما تحرك، بل شارك وصفق لقتل الأبرياء في القطاع. لكننا في زمن الهوان وزمن الذل، الذي لا تستطيع فيه أمة من مليار رجل أن تدافع عن أبنائها، بل وتخون ثقتهم وتسلمهم للعدو.


تحية احترام وتقدير أرفعها للرئيس السوري بشار الأسد على موقفه النبيل تجاه شهداء غزة وأبنائها، فقد قررت القيادة السياسة في دمشق رفض استقبال محمود عباس على أرضها الطاهرة، بسبب ما فعله من تآمر على أبناء شعبه.

 وإذ أحيي موقف القيادة السياسية في دمشق على هذا الموقف الأخلاقي، فإنني أطمع أن تقوم القيادة السورية بإعادة النظر في اعترافها بشرعية محمود عباس كرئيس لدولة الجهاد فلسطين، وأن تقطع العلاقات كلية معه ومع زمرته وهذا أقل الواجب تجاه أبنائنا وإخوتنا هناك.

(90)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي