أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لعبة الشطرنج ...تابع. ... مهى عون

               
 في تصريح لافت قبيل مغادرةالوفد الايراني  إلى جنيف للمشاركة في أعمال المؤتمر الدولي، الذي عقد للبحث في الملف الإيراني العالق،أكد الرئيس الإيراني بأن طهران مستعدة للدخول "في مفاوضات طويلة الأمد"مع الدول الست الكبرى. وأضاف:"نحن مع تعزيز الصداقة (مع القوى العالمية)،ومستعدون للدخول في مفاوضات طويلة الأمد".وأكمل في لهجته العالية النبرة المعهودة:"إن قادة هذه الدول ارتكبوا خطأً تاريخياً بتصريحاتهم حول المنشأة الجديدة،...."، وأردف في الختام، وهنا بيت القصيد،عبارة "لن نتضرر"،أي من المشاركة في هذه المحادثات. يقول بما معناه أن  المشاركة  لن تؤثر  علينا لا سلباً ولا إيجابا.مع العلم أن الوفد الإيراني شدد وفي مقتبل المشاورات على وضع مسألة الانتشار النووي العام في مقدمة جدول الأعمال، لإبعاد التركيز على الملف الإيراني. والذي يستشف  من موقف الرئيس الإيراني هو القبول بالمشاركة في المفاوضات ،على أن تكون مشاركتها بعيدة عن أي نية مسبقة للارتباط الفعلي بأي نتائج قد ترتد سلبياً على إيران ،وعلى برنامجها النووي بشكل خاص. وكان قد  ورد على لسان مرشد الثورة الإيرانية بالذات،في وقت سابق(في 11(سبتمبر) أيلول)، كلام  بهذا المعنى إذ قال :"يجب أن ندافع عن حقوقنا ، لأن أي تنازل عنها، ...يعني الإنهيار".
     وفي اختتام هذه المرحلة التمهيدية من المفاوضات ، على أن تستمر على مدار الأسابيع المقبلة وحتى منتصف شهر ديسمبر(كانون الأول)،أي قبل عطلة أعياد الكريسماس ،أعربت المصادر الغربية للدول الست الكبرى المشاركة عن الارتياح لموافقة الطرف الإيراني المبدئي على نقل اليورانيوم لبلد ثالث، يكون روسيا. وفيما خص ردات الفعل الإيرانية على نتائج المؤتمر الأولية، فلقد تراوحت بين الموافقة الباردة و الفاترة في جنيف، والأخرى الرافضة تماما في إيران. وإذ شدد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في مؤتمر صحفي في نيويورك على أن اجتماع جنيف "كان بناءً"،وأنه لا بد من مواصلة الحوار،مشدداً في الوقت ذاته على أن طهران لن تخضع للضغوط حول وقف تخصيب اليورانيوم، صرح سفير إيران في بريطانيا مهدي سفاري ،الذي شارك أيضا في محادثات جنيف لوكالة"اسوشييتدبرس"الأميركية،حول احتمال قبول طهران بعرض دول الست الكبرى، قائلاً:"الموضوع لم يناقش بعد"،وأضاف "لا،لا" حول سؤال يتناول  استعداد لطهران للمضي أولا في أي عملية التنازل.أما في إيران فلقد أجمع رجال الدين في خطبة الجمعة الفائت على التنديد :"بغطرسة الدول العظمة".وقال الشيخ كاظم صديقي في خطبته في جامعة طهران بأن إيران لن تتخلى في أي من الأحوال  عن برنامجها النووي.
     وكان الرئيس الأميركي قد أعلن في بداية أعمال المؤتمر عن حذره من مواقف إيران الإلتوائية ومن نهجها المعروف  في التملص والهروب من الإيفاء بتعهداتها ومن التطبيق الفعلي للوعود التي كانت تأخذها سابقاً في حضور الموفدين عن الدول الست الكبرى.فأعتبر المفاوضات التي حصلت "بأنها بداية إيجابية",و"بأنها بناءة"،ولكنه لم يخفي تخوفه من المراوغة الإيرانية المعهودة،إذ أشار بأن المجتمع الولي لن يسمح للايرانيين بكسب الوقت،وبأنه في حال لم تستتبع المفاوضات التي جرت في جنيف إجراءات "ملموسة" وسريعة، سوف تمضي الأسرة الدولية بتطبيق فرض العقوبات المشددة على طهران.
     في الحقيقة قول الرئيس الأميركي أيضاً لعبارة"صبرنا له حدود" في سياق كلامه،وذلك بعد أول لقاء مباشر لمسؤول أميركي وهو مساعد وزيرة الخارجية وليم بيرنز،مع وفد إيراني رفيع المستوى، بعد عشر سنوات من شدد الحبال، والمشادات ،قد لا يكون كافيا لإحداث التحول الجذري والفعلي المطلوب في الموقف الإيراني. فإيران تراهن من ناحيتها على عشر سنين جدد،تدخل في خلالها في عملية مد وجزر متجددة مع المجتمع الدولي. وخطوة إلى الأمام تتبعها خطوة إلى الوراء وهكذا دواليك.في كل الأحوال هامش المناورة مفتوح اليوم لإيران على مصراعيه .فالمحادثات المتوقعة سوف تحتاج إلى شهور للمباشرة بالمواضيع العامة والغير الملزمة.وحين يأتي وقت الولوج في التفاصيل، حيث تكمن الشياطين، يكون قد مرت مياه كثيرة  تحت الجسور، وتزعزعت أنظمة عديدة، ونشبت حروب أخرى قد تفتعلها إيران في مناطق مختلفة من المشرق العربي،لتغيير المعادلة الحاليةالقائمة، ولخلط الأوراق من جديد لمصلحتها..
     وكان موقع تابع للحرس الثوري الإيراني تعليقاً على سير المفاوضات ،أعرب عن "تشاؤمه وشكوكه من المفاوضات ،على خلفية تقديمه معادلة تقول ب"أن الغرب يراهن على موقف ضعيف من قبلنا بسبب مشكلاتنا الداخلية، وبأنه قادر بالتالي على فرض شروطه علينا"...في الحقيقة هو كلام حق ولكن بالشكل المعاكس . فالغرب لا يراهن على تنازل من قبل طهران بسبب ضعفها أو الوهن الناتج عن الأحداث التي تلت إعلان نتائج الانتخابات والتي أحدثت شرخاً عميقاً داخل المجتمع الإيراني،  بل هي طهران التي تراهن على عنصر الوقت الذي سوف يمكنها من إعادة تشديد القبضة على الداخل بشكل يمكنها من مقاربة المفاوضات من موقع قوة.
      في مطلق الأحوال انصاعت وتخلت إيران عن برنامجها النووي أم لم تفعل، جل ما يهم العالم العربي هو تفادي كارثة قد تنجم بسبب ذهاب المجتمع الدولي إلى اعتماد الخيار العسكري نظرا لتداعياته الاقتصادية والبيئية على منطقة الشرق الأوسط برمتها. كما يهم الشعوب العربية أيضاً أن لا تكون الحوافز المقدمة لإيران لثنيها عن المضي في تخصيب اليورانيوم،على حساب الدول حيث تتمتع إيران حاليا بنفوذ فعلي،وعلى حساب البلدان  المجاورة الأخرى لإيران حيث المشروع الاستراتيجي التوسعي الفارسي أصبح غني عن البرهان والشرح.
  وعندما يقول الرئيس الأميركي بأنه "في حال استجابت طهران للمطالب الدولية فسيكون في وسعها إقامة علاقات أفضل مع باقي العالم ومع الولايالت المتحدة " من المهم والأساسي الانتباه إلى المعادلة الجيوسياسية في العالم الاسلامي، وإلى الخطورة القصوى الكامنة في تخطيها، من ناحية  تغليب أو تمكين الأقلية من الأكثرية في العالم الاسلامي.لأنه إذا كان من الطبيعي أن تكون إيران دولة مهمة وفاعلة ومتماسكة ومتعاملة بشكل صحي وطبيعي مع محيطها ،فمن غير الطبيعي أن تعطى حجماً أكبر من حجمها ، فتتحول إلى دولة إقليمة ذو دور محوري وأولي في كل القضايا العربية،وصولاً إلى تقديم الهيمنة على دول الجوار كجائزة ترضية لها، أو الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضته في بعض البلدان كالعراق أو لبنان  كهدية مقايضة لبرنامجها النووي  
                                                      

كاتبة لبنانية
e.mail:[email protected] 
                          

(112)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي