في إجراءٍ يُعدّ الأكثر إيجابيةً من بين الإجراءات المتخذة مؤخراً قررت أخيراً قيادة أركان الجيش الوطني السوري برئاسة اللواء سليم ادريس، مطلع الشهر الحالي، نقل مقرّات كافّة الفصائل العسكرية من المدن والبلدات في مناطق سيطرتها "عفرين، اعزاز، الباب، جرابلس، رأس العين" وتجميعها في معسكرات منتشرة بالقرب من خطوط التماس.
وطالبت الأركان قيادات التشكيلات بتوثيق جميع الأسلحة والذخائر وحفظها في مستودعاتها ومنع توزيعها إلّا في حالات التدريب مع استثناء عناصر الحراسة والطوارئ والمكلّفة بمهام خاصة، على أن يتم السماح بحمل السلاح في المدن والبلدات بموجب بطاقة مهمة رسمية مُحدّدة.
بالرغم من قرارات الأركان الأخيرة وتعاميم الاستجابة من تشكيلاتها باختلافها، لا زالت مقرّات الفصائل في المدن والبلدات كما هي، ولا زال العناصر يحملون السلاح في الأسواق وبين الأبنية السكنية، لا بل تصل بهم اللامبالاة إلى الاشتباك فيما بينهم وسط جموع المدنيين وأماكن التجمعات والأسواق، ومن خلال عمليات التوثيق السابقة يتبيّن لنا أنّ أكثر المتضررين "قتلى وجرحى" جرّاء تلك المواجهات هم من المدنيين لا من المقاتلين.
بعد قرار الأركان الأخير حصلت عدّة اشتباكات في مدن وبلدات عديدة بين مجموعات تتبع لذات الفصيل أو بين الفصائل كان آخرها اشتباك في شارع الفيلات بمدينة "عفرين" بين مجموعتين تتبعان لذات التشكيل، استخدم المتقاتلون في معركتهم التي لم تتجاوز ربع ساعة قذائف "RBG" وأسلحة متوسطة في مواجهة بعضهم البعض، أدّى ذلك إلى مقتل امرأة وطفل وإصابة أكثر من مدني.
يصعب على الشرطة العسكرية فض النزاع إلّا حين تختف وتيرة المواجهات حتّى لو كانت حاضرةً في المحيط القريب، فمن غير المضمون عدم تطور الاشتباك وإراقة دماء أكثر وإغراقها في تفاصيل الندّية لتصبح طرفاً عوضاً عن أن تكون المرجعية الأولى للقانون.
المواجهات بين أبناء المنظومة الواحدة تترك أثراً نفسياً سلبياً لدى الناس في الشمال وتفتح بوابةً واسعةً للسخط والجدال والمُقارنة، كما تُسبّب أضراراً اقتصاديةً جمّةً لديهم، حيث تُدمّر واجهات محلات تجارية، وأصحاب البسطات المتواضعة يفقدون بضائعهم، دون وجود أيّة جهة رسمية تأخذ على عاتقها تعويض المتضررين، وما يزيد من الآثار السلبية المُنعكسة عدم إصدار أيّة قرارات حقيقية تفضي إلى محاسبة المتجاوزين، إذ دائماً ما يتصدر مشهد فض النزاعات وجهاء وشيوخ على حساب السلطة القضائية المُنشغلة بمحاسبة المدنيين المغلوب على أمرهم.
حتّى اليوم يتم الإعلان عن تشكيلات جديدة تابعة لأركان الجيش الوطني، آخرها فصيل "خالد بن الوليد" في صفوف "الفيلق الثاني" الذي يضم في غالبيته عناصر منشقين من فرقة "السلطان مراد" التي تتبع أيضاً لذات الجيش والفيلق، كما تشهد الفصائل بين الآونة والأخرى تخريج دورات عسكرية جديدة لعناصر بأرقام كبيرة جداً يتم في مراسمها بعد العرض العسكري خطابات تحفيزية تتحدث عن المناسبة، وللمفارقة، في التخريج الأخير منذ أيام لفرقة السلطان "سليمان شاه" بقيادة "محمد الجاسم أبو عمشة" قال الناطق وردّد خلفه المقاتلون "الولاء لله والوطن والقائد أبو عمشة"، وهنا من الطبيعي أن يحضر السؤال، ماذا لو غاب أبو عمشة، وهل الولاء لشخص "عسكرياً كان أو مدنياً" بات منهجاً نسير عليه، وأين موقع الولاء من المؤسسة الأم؟.
وحين جاء دور الكلام لـ"أبو عمشة" كان يقف خلفه مجموعة من الضباط العسكريين المختصين من ذوي رتبٍ قيادية وفقاً للتسلسل العسكري، وهنا لا بد أن نُذكّر بأنّ أكثر قيادات الصف الأول في تشكلات الجيش الوطني هم من المدنيين، أمّا الضباط والعسكريين فمكانهم في الصف الثاني والثالث بمهام إدارية بحتة كأمناء مستودعات أو عناصر في الديوان.
"زمان الوصل" نوّهت في تقريرها بعنوان "جدلية خروج الفصائل من الأحياء السكنية" بتاريخ 03/06/2020، بضرورة خروج الفصائل من المدن حفاظاً على ما تبقّى لديها من رصيدٍ شعبي، لطالما أنّها غير منضبطة وتستمر بظهورها أمام المدنيين بالصورة السلبية في ظل استمرار الاختراقات الأمنية ووقوع التفجيرات.
إن كانت فعلاً أركان الجيش الوطني "المؤسسة الأم للتشكيلات العسكرية" ترغب بتحقيق ما تُعلنه من شعارات، فبديهياً عليها تفعيل القضاء العسكري وتنفيذ القانون بحق قيادات تشكيلاتها وعناصرهم، واللجوء إلى الضباط المنشقين بالدرجة الأولى ودعمهم ليتمكنوا في تعميم الانضباط وفرضه، ذلك من أدنى واجباتها أمام حقوق المدنيين المكلومين الذين واجهوا نظام الأسد وحلفائه في السنوات الماضية وقدموا التضحيات وأثروا التهجير للحفاظ على كرامتهم، وإلّا لتصم الأركان أذنها أكثر، فربما سيُضرب بها الأمثال الساخرة، وستسمع بعد كُلّ تجاوزٍ جديد كلاماً أقسى ممن يُفترض أنّها شُكّلت لحمايتهم.
أركان الجيش الوطني.. لكل امرئ ما من اسمه نصيب

فادي شباط - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية