يشكل السابع من تموز يوليو/2017 مفترق طرق في حياة أم سورية لم يتجاوز عمرها 24 عاماً مع طفليها بعد رحيل زوجها، فما قبل هذا التاريخ لن يكون كما بعده، ولكنها رفضت الاستسلام لليأس رغم قساوة الحياة في ظل الحرب السورية، لتقدم إثباتاً حياً عن الشجاعة والتغلب على أصعب الظروف التي مر بها مئات الآلاف من النساء السوريات على مدى أعوام الثورة.
لم تكن الشابة "رهف الجع" التي تنحدر من بلدة "الدانا" شمال محافظة إدلب قد تجاوزت 22 من عمرها عندما فقدت زوجها بقصفٍ للطائرات الحربية قبل ثلاثة أعوام، ليترك لها طفلتها "ماريا" التي لم تتجاوز السنة والنصف من عمرها آن ذاك، إضافةً إلى طفلها "أسامة" التي كانت حاملاً به في شهرها الأخير، والذي ولد بعد رحيل زوجها بعشرة أيام.
وأصرّت "رهف" على أن يكون لها دور هام وبصمة في مجتمعها والتغلب على المعاناة التي تحتّمت على عددٍ كبير من النساء السوريات، لتعود وتكمل دراستها في المعهد الطبي "قسم القبالة" ضمن مدينة إدلب، بعد انقطاع عنها لمدة زمنية بسبب ما آلت إليه الحرب السورية، فيما تم اعتمادها من قبل منظمة "سيما" الطبية كمقدمة رعاية صحية، وكان عملها ضمن مجال التوعية الصحية والكشف عن حالات "سوء التغذية" ومتابعتها في المناطق المكتظة بالنازحين أبرزها "المخيمات"، إضافةً لاكتسابها الخبرات مع دراستها من خلال عملها في عيادة لدى طبيبة أخصائية "قبالة".
أبرز مخلفات الحرب هي "الجهل والفقر" هذا ما قالته رهف لـ"زمان الوصل" مع بداية حديثها عن عملها في مجال التوعية للنساء السوريات على الإنترنت منذ سنتين وحتى اليوم، وعن زياراتها ضمن حملات التوعية التطوعية التي أجرتها إلى مخيمات الشمال السوري.
وأوضحت "رهف": "مع انتشار فايروس كورونا المستجد في دول الجوار، وتسجيل عدد إصابات في المناطق المحررة، وعدم وعي المدنيين بأهمية الوقاية منه، والأخذ بالاحتياطات اللازمة للحد من انتشار، جاء دوري بشكلٍ فردي لتقديم النصائح والإرشادات الوقائية للمجتمع المنكوب، خاصة النازحين القابعين ضمن المخيمات الحدودية مع تركيا ومخيمات عشوائية منتشرة على أطراف قرى وبلدات أخرى ضمن المحافظة.
وأشارت "رهف" إلى أن "أولى زياراتها كانت لأحد المخيمات القريبة من مكان بالقرب من إقامتها في محيط بلدة "سرمدا" شمال المحافظة، وقامت بجلسات توعية فردية وجماعية للعديد من الأفراد، بالتزامن مع توسع خطر انتشار الفايروس بشكلٍ كبير ضمن المناطق المحررة، وخاصةً المخيمات المكتظة بالنازحين، بالرغم من ضيق وقتها في تربية أبنائها، وعملها ضمن العيادة الخاصة، ودراستها التي لم يتبقى إلى أشهر قليلة على تخرجها منها". ولفتت "رهف" إلى أنها "قررت التعاون مع وكالة إعلامية لإنتاج برنامج توعوي تثقيفي عن جائحة "كورونا"، والمخاطر التي قد تواجه المدنيين إذا لم يتبعوا طرق الوقاية، وسوف يعرض البرنامج بعد أيام قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو البرنامج الأول من نوعه في الشمال السوري المحرر، لنشر الوعي والحد من انتشار فايروس "كورونا" المستجد، ومستقبلاً سيكون هناك برامج أخرى توعوية في مجالات أخرى تتماشى مع تطورات الأوضاع ضمن المناطق المحررة".
ولكن "رهف" أكدت في حال كان انتشار الفايروس بشكلٍ كبير في الأيام المقبلة، فحملات التوعية لا فائدة لها، ويتوجب على الفرق الطبية العاملة في إدلب وريف حلب سحب المصابين لمراكز عزل خاصة، وتخصيص فرق لإلزام المدنيين بالحجر المنزلي بالتعاون مع السلطات المحلية، وسوف أكون أولى المتطوعات ضمن مراكز العزل وتقديم الرعاية الطبية والعلاجات للمصابين".
ونوهت "رهف" إلى أنها "كانت سابقاً تستخدم حسابها الشخصي في "فيسبوك" على مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم دروس ونصائح توعوية وإرشادات للنساء المرضعات والحوامل والأمهات بشكلٍ خاص ضمن مجال عملها في القبالة وخبرتها المكتسبة".
وتطمح "رهف" بأن تكون عضواً فعالاً ونافع في المجتمع، وتقدم كل العلم الذي اكتسبته لأكبر عدد ممكن من النساء السوريات في ظل ظروفهم الصعبة، إضافةً لتربية أبنائها وصناعة مستقبل لهم يكون على خطى والدتهم، لإكمال مسيرتها من بعدها.
"رهف" تنتصر على مأساتها بالتطوع لمواجهة "كورونا" في مخيمات الشمال

محمد كركص - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية