أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"إلى متى يا الكسندرا".. فيلم سوري يلامس معاناة اللاجئين في فرنسا بين اللغة والاندماج

داخل صف دراسي لتعليم اللاجئين اللغة الفرنسية وضع الفنانان "محمد وأحمد ملص" كاميرتهما السينمائية لتصور من تلقاء نفسها جانباً من أحوال الوافدين الجدد ومعاناتهم مع اللغة والاندماج ليصنعا من خلال هذه المشاهد فيلمهما الجديد "إلى متى يا الكسندرا" الذي حصل منذ أيام على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان Global Film Online Competition في البرتغال.

بعد لجوئهما إلى فرنسا هرباً من الحرب والاعتقال التحق الأخوان "ملص" بأحد المعاهد الفرنسية لدراسة لغة البلاد ومن خلال مئات الساعات أتبعاها كطالبين لاحظا -كما يقولان- أن الشخصيات الموجودة في الصف تستحق أن يتم تناولها سينمائياً كونهما مؤمنين بأن الأبطال هم الكومبارس وليسوا النجوم في أي عمل فني، وكما قال المخرج السوري الراحل "نبيل المالح" أنه عندما يريد عمل فيلم يبحث عن أناس مهمشين يحكي قصصهم وليس العكس كما في فيلمه "الكومبارس" ومن هنا ولدت فكرة فيلمهما "إلى متى يا الكسندرا" حيث اتفقا مع آنسة الصف التي تُدعى "الكسندرا" أن يتم التصوير في الصف خلال أيام معينة وبعد موافقتها وضعا الكاميرا داخل الصف لينسياها فيما بعد كما نسيها الطلاب.

وأشار "محمد ملص" لـ"زمان الوصل" إلى أنه مع شقيقه "أحمد" صورا عشرات الساعات ومن خلال المونتاج اختارا ما وجداه مناسباً لفكرة ومحتوى الفيلم من اللقطات الطويلة واللحظات السينمائية.

واستدرك أن لدى اللاجئين كماً كبيراً من المشاكل التي يراها الآخرون صغيرة ولكنها بالنسبة لهم كبيرة وفي إحدى لحظات الفيلم تسأل الآنسة طلابها اللاجئين: "مالديكم من جديد اليوم" فيسود صمت طويل وكأن لا جديد لدى أحد يمكن أن يقوله.

ولفت محدثنا أنهما ركزا على مشهد شباك القاعة الذي يبدو كقضبان سجن يقبع فيه اللاجئون رغم أن فرنسا بلد الجمال والفن ولكن أحياناً يكون اللجوء بحد ذاته بمثابة سجنا داخليا.

"أحمد ملص" أشار إلى أنه عاش مع توأمه نفس ظروف اللاجئين الذين يصورهم الفيلم فحين يدخل اللاجئ إلى فرنسا يُجبر من قبل الحكومة بالتزام حضور 300 ساعة لتعلم اللغة وكانا طلاباً في نفس الصف الذي صورا فيه والآنسة هي آنستهما نفسها وكانا جزءاً من الممثلين في الفيلم كلاجئين يدرسون في هذا المكان إلى جانب كونهما مخرجين له.

ولفت المصدر إلى أن لعنوان الفيلم قصة شخصية حصلت معها أثناء عرضهما لمسرحية في الحسكة قبل الحرب وحينها تعرفا إلى شاعر من المدينة كان -حسب تعبير الممثل الراحل نور الشريف- أرق من الحياة ولكنه لم يعدم مشاقها وآلامها وكان له صديق يدعى خالد وبعد رؤيته للعرض المسرحي اختفى الشاعر المذكور، وأرسل إلى صديقه رسالة يقول فيها "إلى متى يا خالد" تعبيراً عن حالة الانكسار الداخلي التي يعيشها لكونه في مكان قصي ومنسي بينما تستحوذ دمشق التي قدمت منها الفرقة على كل شيء، ومن هنا أطلقا اسم (إلى متى يا الكسندرا) عنواناً للفيلم، واعتبرا أن الشخصيات الموجودة في الفيلم هم نفسهم شاعر الحسكة المهمش والكسندرا شيء من دمشق.

وأشار "محمد ملص" إلى أنه مع شقيقه لم يكونا بوارد البحث عن تميز للفيلم بقدر رغبتهما في رواية الحكاية الحقيقية أو -كما يقول ماركيز- "العالمية تنطلق من المحلية" وانصب تفكيرهما حول أصدقاء الصف الذين يدرسون معهما في معهد اللجوء ويتدارسون مشاكلهم الكبيرة التي يراها الآخرون بسيطة ومنها عدم إتقان اللغة أو طريقة نطقها والجهل بكيفية استخدام الميترو أو الإجبار على الاستيقاظ الباكر في مناخ بارد كمناخ فرنسا وهم الذين جاؤوا من بلاد الشمس والدفء، فكان الهدف نقل الحكاية بشكل طبيعي وحقيقي.

وجهد التوأم السوري إلى جعل فيلمهما الوثائقي قصيرا جداً لتتاح له فرص أكبر في المهرجانات السينمائية، ولكن بعد البدء بمرحلة المونتاج شعرا أن الاسترسال في المشاعر داخل الفيلم وإطالة الوقت سيعطي هذا الفيلم أهمية أكبر ولذلك اختارا -كما يقولان- الإخلاص لمشاعر الفيلم على حساب اعتبارات المشاركة السينمائية ولم يمارسا بحق نفسيهما ما أطلق عليه الروائي السوري فواز حداد "الرقابة الناعمة" في تقصير مدة الفيلم أو اختيار ما يناسب المهرجانات.

وكان فيلم "إلى متى يا الكسندرا" قد عُرض في ثلاث مهرجانات في الهند وفي نيجيريا وتونس ولندن ورومانيا وفي مهرجان لسينما العالم في بنغلادش ونال جائزة التحكيم من مهرجان Global Film Online Competition كما نال الفنان "أحمد أبا زيد" ترشيحاً لأفضل موسيقى في الفيلم من أحد المهرجانات العام الماضي 2019، ولم يتمكن صانعا الفيلم من حضور أي تكريم أو مشاركة في المهرجانات المذكورة بسبب جواز السفر وأزمة "كورونا" ولكن هذه جمالية الفيلم –كما يقول محمد ملص- لا ينتظر الباسبورد في عالم التواصل اليوم.

كانت بداية الشقيقين "ملص" مع المسرح منذ أكثر من 20 عاماً لأن هذا الفن هو أهم خطوة لمن أراد دخول عالم التمثيل وهو الذي يؤسس لبناء أي شخصية وكانت بدايتهما بعد حضورهما لمسرحية بعنوان (عزيزي مرات المسكين) عن نص "ألكسي أربوزف "إخراج "حاتم علي" وكان ذلك في شباط فبراير/1994 وأسسا فيما بعد مشروعهما "مسرح الغرفة" الذي أطلقاه عام 2009 وترشح لدخول موسوعة غينيس عن فئة أصغر مسرح في العالم.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(178)    هل أعجبتك المقالة (164)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي