أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فقر وقنزعة .... حسن بلال التل

 

 

قبل شهور أصدر رئيس الوزراء نادر الذهبي مرسوماً كان له احسن الاثر في الاوساط المحلية, ذلك عندما منع اعلانات التهنئة والنعي الحكومية في الصحف المحلية بسبب حجم ما تستنزفه من الموازنة المتهالكة اصلا, ورغم كثرة الثناء على هذا القرار الا اننا ننسى ان هناك آخرين اتخذوا ذات القرار وقرارات اخرى اكثر جرأة واكثر توفيرا على الموازنة لكن ايا منها لم يصمد طويلا, بل ان بعضها انهار بمجرد انتهاء عمر حكومة ذلك الرئيس وربما قبلها, وهو أمر حدث بصورة ما مع قرار الذهبي آنف الذكر, حيث رغم امتناع المؤسسات الرسمية عن اعلانات التهنئة في الصحف الا ان البلديات استمرت بالنشر, ورغم علمنا ان البلديات هي مؤسسات مستقلة الى حد كبير وتعتمد في غالبية حجم موازناتها على ما تحصّله من رسوم وضرائب, لكن هذا لا يمنع ان حصة لا بأس بها من هذه الموازنات مصدرها وزارة البلديات وبنك تنمية المدن والقرى وغير ذلك من مصادر حكومية, وهو ما يجعل التزامها بالقرارات الحكومية وبالذات المالية منها أمرا واجبا, لكن هذا ليس موضوعنا الرئيس هنا.

فقد ظهر امر اكثر سوءا في محاولة من هذه المؤسسات والدوائر التحايل والالتفاف على القرار, جاء على صورة اعتماد العديد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية لمسألة اكثر سوءا وبذخا من ناحية التكاليف, حيث قامت العديد منها بارسال بطاقات تهنئة ومعايدة لعشرات ان لم يكن المئات من فئات المجتمع والاجهزة الرسمية والجهات الاهلية والاشخاص, وليست المشكلة هنا فحسب بل الادهى والامرّ هو في طبيعة هذه البطاقات ووسائل توزيعها, فمن حيث النقطة الاولى اشتركت كافة هذه البطاقات في انها فخمة فارهة مطبوعة على ورق مقوى فاخر وبأحبار ملونة وبعضها اشتمل على صور ايضا, وهي امور ترفع التكاليف الى حدود كبيرة, هذا طبعا عدا عن اثمان مغلفات هذه البطاقات, اضافة الى ان العديد من هذه المؤسسات لجأت الى كتابة اسماء المرسل اليهم على المغلفات والبطاقات ذاتها لدى خطاطين محترفين, ما يزيد من التكاليف بصورة باهظة.
اما النقطة الثانية والاكثر اثارة للاستياء فهي وسيلة توزيع هذه البطاقات, فاذا استثنينا البريد العادي الذي لجأت له بعض المؤسسات -والذي لم يعد رخيصا ابدا حيث تصل كلفة ارسال الرسالة الداخلية العادية الى 40 قرشا-, فإن معظم المؤسسات لجأت الى وسائل اكثر بذخا واكثر تكلفة, وقد يستغرب القارئ حين يعلم ان اقلها هو تحريك عدد من سيارات كل دائرة من هذه الدوائر في كل منها موظفان على الاقل ليقوما بتوزيع هذه البطاقات في عملية قد تستغرق اياما, خصوصا اذا ما علمنا انها تتم اثناء ساعات الدوام الرسمي, مع كل ما تحمله هذه الساعات من ازدحام شديد في الشوارع, عدا عن ان معظم هؤلاء الموزعين لا يملكون عناوين دقيقة ومحددة وبالتالي يقضون ساعات طويلة في التخبط والبحث عن العناوين, اضافة الى قيام بعض هؤلاء الموظفين (حسبما ذكر لي احدهم) بتعمد الاطالة في عمليات التوزيع للتهرب من الدوام الرسمي وما فيه من رقابة.

أما الاسلوب الآخر والاكثر بذخا فهو تعمد بعض هذه المؤسسات اللجوء الى شركات خاصة بخدمات الشحن والتوصيل مثل شركة ارامكس مثلا, والتي لا يقل سعر ايصال اي طرد داخلي لدى اي منها مهما كان حجمه عن دينار ونصف فما فوق للقطعة, وهذه معلومة تأكدت منها عبر الاتصال ببعض هذه الشركات.

وبالطبع فهذا كله من موازنة الحكومة, وعلى حساب دافع الضرائب ليس من الناحية المالية فحسب بل ايضا على حساب مصالحه التي لا بد ان تتعطل عندما تخصص كل دائرة ومؤسسة عددا من الموظفين والسيارات -الذين بالتأكيد لهم مهام اخرى- لتجهيز وتغليف وتوزيع هذه البطاقات لأيام وأيام, وبالطبع فمعظم هذه النفقات والتكاليف هي مبالغ غير ظاهرة ولا يتم ادراجها في كشوفات النفقات تحت مسمياتها الاصلية والحقيقية, لذا فمن السهل التلاعب بها و(مطّها) حسب الحاجة والنيّة.

لذا أدعو دولة الرئيس الى الرجوع عن قراره والعودة الى نشر اعلانات التهنئة لأن موظفي حكومتنا جميعا يتصرفون بعقلية الشيوخ ويصرفون من الخزينة وكأنها خزنة أبيهم, ومهما صدر من قرارات ومراسيم فلن يعدموا وسيلة في التحايل عليها بأساليب اكثر سوءا من تلك التي حرموا منها.

(109)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي