أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تمثيل السوريين أبرز أزماتهم

يشهد الداخل السوري حراكاً سياسياً كثيفاً عنوانه تمثيل السوريين

جرّاء التطورات السريعة لأحداث الثورة السورية كان لا بدّ من تمثيل الثائرين في المحافل الإقليمية والدولية لتلقي المناصرة، فكانت المعارضة تستمد شرعيتها أمام الرأي العام عبر الحراك الشعبي، وفي مراحل متقدمة وبعد تجربة التنسيقيات حضرت مجالس المحافظات والمجالس المحلية بالتوازي مع دعم الحكومة السورية المؤقتة التي جاءت بقرار من الائتلاف "غير المنتخب" والذي شكّل وفرض وشرّع كل تلك المؤسسات بقوة المال والنفوذ "وبدون انتخابات"، وعوّم ذات الأسماء الحاضرة في الكيانات الوليدة، ولدينا العديد من التجارب التي يمنعني الحياء من استحضارها، فكان الإقصاء سيد المشهد، ووجد الكثير من الثائرين المختصين أنفسهم خارج الدائرة المتروكة لصراع النفوذ وتجارة الولاءات.

لم تُوجد المعارضة بديلاً عن انتخابات تُحدد ممثلي السوريين، ولمُجرد طرح فكرة الانتخابات كانت الأجوبة دائماً تتلخص بـ"الظروف غير مواتية"، فالانتخابات لن تنجح في ظل القصف والتجويع، وكأنّ الناشطين والمهتمين يُطالبون بانتخابات شعبية عامّة، لا بانتخابات نخبوية تجمع في عمليتها الفاعلين في الوسط الاجتماعي إن كانوا متفقين أو مختلفين.

في جمعة وحدة المعارضة ارتقى 91 مدنياً، وفي جمعة "المجلس الوطني يمثلني" ارتقى 94 مدنياً، وفي جمعة "دعم الائتلاف" ارتقى 104 مدنيين، لكن هل فعلاً استثمرت المعارضة شرعيتها المستمدة لتخليص السوريين من آلامهم لا سيّما مع وجود أكثر من 130 ألف إنسان في معتقلات نظام الأسد وتعرّض مناطق كثيرة للتدمير والتهجير ويقطن الخيام حوالي مليون ونصف إنسان؟

في جمعة "الحماية الدولية" ارتقى 145 مدنياً، وفي جمعة "ثورة متوقدة ومعارضة مقعدة" ارتقى عدد كبير جداً من المدنيين، رُبما تُصنف هذه الجمعة بالعنوان الأصدق، إذ لم تنجح كافة أطياف المعارضة بتأمين الحماية للمدنيين، وبالواقع أصبحت مقعدة بعد أن غرقت في تفاصيل السياسة والمحاصصة والصراع الداخلي بين أعضائها ومكوناتها الشرعية والمفروضة، وبالتزامن مع مواقيت اجتماعاتهم كان السوريين يُقصفون بشتى أنواع الأسلحة ويتعرضون للحصار ويُهجرون من ديارهم، مما أفقد المعارضة ثقة الحواضن المصدومة. المعارضة التي قضت وقتها تشجب وتندب وتبكي ساهمت بالضرورة في تعميق الشرخ بين الثائرين ونادراً ما شهدت تنحياً حقيقياً لأحد رجالاتها أو اعترافاً بالفشل والعجز والانكسار لحفظ ماء الوجه والتقليل من حدّة الانتقادات، إنما كان أكثر المعارضون في مؤسسات المعارضة ولا زالوا يعملون وفقاً للمثل الشعبي "في كل عرس له قرص"، فتراهم يعرضون أنفسهم عبر أدواتهم ووسائلهم التي وُفرت باسم الثورة لحضور أي مؤتمرٍ أو كيانٍ يُعلن عنه، من جنيف إلى أستانا والرياض وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية وهيئة الحكم الانتقالي وغيرها.

في هذه المرحلة الصعبة التي يراها البعض مخاضاً، يشهد الداخل السوري حراكاً سياسياً كثيفاً عنوانه تمثيل السوريين، لكن لم تختلف أدوات ووسائل التمثيل، فاللجنة السياسية الواسعة يتم تشكيلها من لجان مُصغرة هي بالأساس ليست شرعية وغير منتخبة ولا تُمثل أبناء منطقتها، والمدهش أنّ النظام الداخلي لأحد مشاريع تمثيل السوريين منح في بنوده حق الانضمام لكل الأحرار وكأنه حزب سياسي، وللمفارقة فإنّ ذلك يتم بمباركة "الجهات الرسمية" كالحكومة والائتلاف والمجلس الإسلامي.

من إحدى التجارب الحديثة في الداخل وبعد انتهاء أعمال أحد المؤتمرات لكيان سياسي واسع، أنشأ بعض الشخصيات غرفة "واتس أب" جمعوا فيها بعض أبناء منطقتهم، ليبلغوهم أنّهم ممثلوهم في الكيان السياسي الأوسع، متأسفين لعدم التشاور المسبق بسبب عدم تمكنهم من الوصول إليهم، لكن، بعد انتهاء المؤتمر بساعاتٍ قليلةً وصلوا ببساطة.

حين سألت عضواً في لجنة سياسية مُشكلة حديثاً عن مكاتبهم كانت إجابته "الرئيس والنائب ومكتب الإعلام" فقط، لا ألومه كثيراً فربما لم يمر عليه سابقاً المكاتب الاستشارية والعلاقات العامة والارتباط والتشبيك والبحث والمسح والاستبيان وغيرها.

أزمة تمثيل السوريين ليست جديدة، فقد غُيبوا عن الحياة السياسية منذ انفراد حافظ الأسد بالحكم قاصياً كافّة النخب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية مانحاً فرق التطبيل والتلميع امتيازات عديدة، وتفاقم الأمر حين سار ولده بشار الأسد على ذات الخطى، فكانت انطلاقة الثورة السورية التي لم تنتظر المعارضة فرصةً حقيقيةً لترجمة النظريات على أرض الواقع والوصول بسوريا إلى مصاف الدول المتقدمة، لكن يبدو لعامة الناس أنّ المعارضة بكافة اقطابها وبرغم خلافاتها فيما بينها إلّا أنّها متفقةً على عدم استثمار الفرصة. اللافت أنّ مرض الإقصاء وصل إلى بعض شخصيات الداخل، إذ ذات الأشخاص الذين يدعون تمثيل الناس اليوم كانوا ينتقدون المؤسسات السابقة التي كانت تدعي التمثيل جرّاء تهميشها آليات ووسائل الاختيار، وفيما يبدو أنّه مُقدر على السوريين الأحرار أن يدفعوا لسنوات طويلة ضريبة أخطاء وأطماع أبناء جلدتهم و"ممثليهم"، فالأمل بأن يُنتج حراك الداخل مشروعاً حقيقياً يُخفف آلام السوريين ويلبي تطلعاتهم يتم إجهاضه قبل الولادة إن لم يتم رأب الانقسامات وتفعيل الكفاءات والحد من تدوير المدور والإقصاء والتهميش واعتماد التشاركية وصونها وحمايتها.

فادي شباط - ادلب - زمان الوصل
(116)    هل أعجبتك المقالة (125)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي