قبل نحو عامين، وقّع العسكري المنشق عن جيش النظام "سلام، اتفاق "تسوية"، وحين خرج نحو الشرطة العسكرية بهدف تسليم نفسه للعودة إلى خدمته في الجيش "لم يعد"، وبدلا عن ذلك تلقت عائلته لاحقا رقما يعود لجثته، وفق ما يروي شقيقه "أحمد".
"سلام" واحد من الذين استغفلهم النظام وغرر بهم عبر "تسويات" خلبية، ومصالحات وهمية، ضمنت له أن يفترسهم منفردين واحدا تلو الآخر، وكانت "تسوية" درعا واحدة من أكثر الأفخاخ التي شهدت على غدر الأسد ومخابراته.
فمنذ إعادة سيطرته عليها بتدخل ودعم كبير من الروس صيف 2018، اعتقل الأسد قرابة 220 من شبان ورجال درعا، ممن وقعوا أوراق "تسوية" معه، توفي منهم 32 في معتقلات النظام، حسب ما تنقل "فرانس برس" في تقرير لها.
ومن المرجح أن تكون أعداد المعتقلين من أصحاب التسويات والمقتولين منهم في المعتقلات أكبر، لاسيما أن قسما من ه حوادث الاعتقال والقتل تبقى بعيدة عن التوثيق.
في صيف 2018، وقّع أحمد (40 عاما)، المقاتل السابق في فصيل معارض، مع شقيقه سلام (26 عاماً حينها)، والأب لطفلين، اتفاق "تسوية" مع النظام.
"أحمد" الذي استخدم في حديثه اسما مستعارا خوفاً من الملاحقة أمنية، انضم إلى "الفيلق الخامس"، الذي شكله الروس، فيما كان على "سلام" الذي انشقّ عن جيش النظام عام 2012، أن يعود إلى قطعته العسكرية ليستأنف خدمته، كما تنص "التسوية".
يقول أحمد متذكرا:"اتصل بي قائلاً إنه سيسلّم نفسه، حاولت منعه لكنّه أصرّ. ذهب ولم يعد..... وقّع شقيقي وثيقة التسوية ومدّتها 6 أشهر، ثم توجّه قبل شهرين من انتهاء المهلة، في أواخر 2018، إلى مركز للشرطة العسكرية في دمشق ليسلّم نفسه ويعود إلى قطعته العسكرية".
ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخبار "سلام"، ومع السؤال المتلاحق عن مصيره، تسلم أفراد عائلته ورقة كُتب عليها بخط اليد رقم جثته وتاريخ وفاته في 2019.
لايريد "أحمد" تصديق الرواية بخصوص وفاة شقيقه لاسيما أنهم لم يتسلموا جثته، وإن صحّت وفاته، فإن "أحمد" يرجِّح أن تكون نتيجة "التعذيب"، معقبا: "وافقنا على التسوية رغماً عنّا لنحمي أنفسنا، لكن شقيقي لم ينج".
وأحصى مكتب "توثيق الشهداء في درعا"، وفاة 14 منشقاً سابقاً عن النظام منذ "تسوية" 2018، منهم من سلّم نفسه ومنهم من اعتُقل على حواجز. ولم يسلّم النظام أي جثة تعود لهؤلاء المنشقين أو حتى يحدّد مكان دفنها.
الباحثة المتخصصة في الشأن السوري لدى منظمة العفو الدولية "ديانا سمعان، تقول إن اتفاقات التسوية تضمّنت وعوداً بينها "وقف الاعتقالات التعسفية، لكنّ الحكومة لم تلتزم بكل بنودها، سواء في حمص أو درعا أو ريف دمشق، وواصلت اعتقال أشخاص تعسفياً حتى ... بعد حصولهم على بطاقات تسوية".
وتضيف: "الناس المقيمون في مناطق سيطرة الحكومة، خصوصاً حيث تمّ التوصل إلى مصالحات، ما زالوا مهدّدين بالاعتقال التعسفي والتعذيب والموت في الحجز".
ويشير الناشط عمر الحريري من مكتب "توثيق الشهداء في درعا"، إلى أن "التسوية لا تشمل حماية من قضايا جنائية، لذلك تمّ اختراع ملفات جنائية لأشخاص كثر من أجل القبض عليهم، ورُفعت على آخرين شكاوى عشوائية كإشكال مثلاً مع شخص ما"
ويعقب: "حتّى اليوم، لم يشن النظام حملات أمنية واسعة على المنازل في درعا، بل يعتقل الأشخاص على الحواجز أو بناء على إخبار"
الباحثة المتخصصة في الشأن السوري في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة كيالي تؤكد أن تواصل اعتقال من وقعوا التسوية وتصفية قسم منهم في المعتقلات، يعكس بشكل جلي واقع هذه الاتفاقات الذي لايعدو كونها "واجهة لإيهام الناس"، وطريقة لاستغفالهم.
وترى أن اعتقال أصحاب التسويات، يرسل إشارة سيئة جداً لمن يفكرون بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام، كونهم ملزمين بتوقيع تسويات مماثلة.
ويتحدث مصدر في منظمة حقوقية توثق الاعتقالات عن 3 أشقاء، اثنان قاتلا مع مجموعة مسلحة وثالث لم يكن له أي دور، تمّ توقيفهم بعد 5 أيام من توقيعهم التسوية في درعا.. وما زالوا مختفين منذ 2018.
في 2014، وبعد حصار محكم ومعارك عنيفة، خرج المقاتل المعارض عمر (25 عاماً في حينه) من المدينة القديمة في حمص على أساس اتفاق بين المقاتلين والأفرع الأمنية ينص على فترة تحقيق ومهلة 6 أشهر قبل العودة إلى صفوف الجيش. لكنه عوضاً عن ذلك، احتجز عدة أشهر مع مقاتلين آخرين في مدرسة، قبل أن ينقل إلى سجن صيدنايا سيء الصيت.
يقول شقيقه، مفضلاً عدم كشف اسمه، "طوال أربع سنوات، دفعنا مبالغ مالية لإبقائه على قيد الحياة في صيدنايا. خرج بعد ذلك ووجد نفسه مجبراً على الالتحاق بصفوف النظام".
ويختم: "يتمنى الفرار مجدداً، يشعر أنه مقيد، وليس باليد حيلة".
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية