الكثير من السوريين سمع وشاهد لقاء والدة "الشهيد عبد الباسط الساروت" على قناة "سوريا" في ذكرى استشهاده، تحدثت فيه عن انقطاع أي تواصل معها سواء من أشخاص أو هيئات أو منظمات تعنى بالثورة، منذ استشهاده وحتى لم يتصل بها أحد ولم يزرها أحد حتى في الأعياد.
تكمل والدة "حارس الثورة" عتبها وفي حديثها مرارة خذلان وعتب لم تنجح بإخفائه عن سماعها عن أنشطة وفعاليات تقام باسم ابنها دون أن يتم التواصل مع عائلته؟ فهل يكرم شهيد دون تكريم أهله وحضورهم؟.
قصة أخرى حصلت منذ عدة أشهر ربما مازال بعضنا يتذكرها تتلخص بانتشار مقطع فيديو في مدينة إدلب لشاب ثلاثيني يعاني من صعوبة المشي، وكان واضحاً على هيئته أنه مستور الحال لتتوقف سيارة وتسأله عن وجهته لاصطحابه إليها، فيخبرهم أنه متجه إلى مدينة إدلب لشراء لعبة لابنته "منى"، يسأله الشاب الذي نقله بسيارته من أي قرية هو ليتضح أنه قادم من قرية بعيدة بريف إدلب سيراً على الأقدام لعدة كيلو مترات لأنه لا يمتلك أجرة الطريق وكل ما يملكه ثمن لعبة "منى"، يستفيض السائق بالأسئلة ليتضح أن هذا الشاب كان في بداية الثورة مقاتلاُ في الجيش الحر، وأصيب في إحدى المعارك إصابة خطيرة خلفت له عاهة دائمة في جسده يستحيل معها القيام بأعمال متعبة وهذا ما جعله عاطلاً عن العمل.
في القصتين السابقتين ومثلهما مئات آلاف القصص المشابهة تتكشف معاناة آلاف العائلات السورية في المخيمات، وما تبقى من أراضٍ محررة، معاناة لا يريد إلا القليل منا رؤيتها والحديث عنها وتوصيفها وإيجاد حلول لها، إنها مشكلة أسر شهداء الثورة السورية، سواء من مقاتلي الجيش الحر أو من المدنيين، ومشكلة جرحى ومصابي هذه الثورة الذين تضرروا من قصف نظام الأسد سواء كانوا مدنيين، أو مقاتلين أصيبوا خلال المعارك مع جيش النظام إن كانوا من مقاتلي الجيش الحر، هؤلاء الشهداء ضحوا بأرواحهم من أجل هذه الثورة، أفلا نخلفهم في أهلهم ونرعاهم.
إذاً والدة الساروت أضاءت شمعة لمن يريد أن يوفي شهداء هذه الثورة حقهم، وهذا يشمل الأشخاص والمنظمات والهيئات المدنية والسياسية للثورة السورية، وهنا لا شك بأن المساهمات الفردية هامة، ولكن هذا ملف حيوي وكبير يحتاج جهة رسمية أو منظمة كبرى للعمل عليه كونه يشمل ملايين من اليتامى والأرامل من أسر الشهداء، ومن أسر الجرحى ومصابي الحرب، هؤلاء بدون معيل يشرف على تأمين احتياجاتهم المختلفة، أو يرعاهم ويحميهم.
لدى النظام على سبيل المثال مكتب خاص بشؤون قتلاه يحمل اسم "مكتب شؤون الشهداء" ويتبع لوزارة الدفاع وله 14 فرعا في كل محافظات سورية، ومنذ عام 2011 وإلى اليوم يقدم تعويضاً مالياً يبلغ مليون ليرة سورية، إضافة إلى راتب شهري يقدر ب 15 ألف ليرة سورية بسعر صرف دولار عام 2011 (الأرقام تضاعفت خلال الأعوام السابقة للتوافق مع سعر صرف الدولار)، ويضاف إلى ذلك مساعدات مالية وعينية مقدمة كل فترة من شركات وتجار محسوبين على نظام الأسد، وتوظيف أحد أبناء أو أشقاء القتيل في وزارات الدولة بدون مسابقة توظيف وإنما بطريق التعيين، وكذلك يتبع لهذا المكتب من تصل نسبة العجر لديه الى أكثر من 90 بالمئة، وفي هذه المناسبة ربما نقرأ على سبيل التندر كل فترة عن تقديم هدية لأسر قتلى النظام سلة برتقال أو ساعة حائط، ونظن أن هذا ما تحصل عليه عائلات قتلى النظام، لكن الواقع مختلف تماماً عائلاتهم تحصل على تسهيلات كبيرة وكبيرة جداً في كل مناحي الحياة، ومنها مفاضلة خاصة في الجامعة تجعل أبناء القتلى وأشقاءهم يدخلون الفروع المتقدمة كالطب أو الهندسة أو الحقوق بمجموع متدنٍّ بالثانوية العامة، إضافة إلى تسهيل في الحصول على القروض والصحة والدارسة في ما يسمى مدارس أبناء الشهداء.
اذاً نظام الأسد يكرم قتلاه وجرحاه ويعمل بعقلية منظمة، ونذكر ذلك على سبيل المقارنة لا أكثر وليس بهدف مدح نظام الأسد، لأن 9 سنوات من الثورة لم تكن كافية لإفراز هيئة مستقلة تعنى بشؤون شهداء الثورة وجرحاها وعائلاتهم وأبنائهم، وفي هذا باعتقادي مسؤولية تقصيرية لدى منظمات المجتمع المدني السورية ونشطائها الذين لم يبادروا لاستحداث هكذا هيئة، وتسجيلها كمنظمة مجتمع مدني والتقدم للحصول على منح وتمويل لمشاريعهم، والمسؤولية التاريخية الأكبر تقع بواجب الائتلاف السوري وحكومته المؤقتة بأنها لم تؤسس لهكذا مكتب أو هيئة حتى تاريخه، ونعتبر هذه المادة بمثابة ابلاغ لهم للشروع ببدء تأسيسها.
ختاماً الوفاء لشهداء الثورة وأبطالها لا يكون فقط بمنشور على صفحات التواصل الاجتماعي ولا بفيلم وثائقي ولا بحفل تأبين، ولا بمنظمات تعمل فقط على توثيق أسمائهم للاستفادة منها في تقاريرهم الحقوقية والصحفية، الوفاء يكون بحفظ كرامة أهلهم، ومتابعتهم من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والدراسية والصحية، هكذا يكرم الشهداء وهكذا يكون الوفاء لهم لأجل والدة "الساروت" ولأجل "منى"، من أجله هؤلاء دعونا نبدأ.
فراس حاج يحيى - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية