لم يكن يوم الخامس والعشرين من أيار مايو/2012 يوماً عادياً في حياة منطقة "الحولة" الواقعة غرب حمص، بل امتزجت الأرض فيها بدماء العشرات من أهلها الذين قتلوا على يد شبيحة القرى الموالية المحيطة بالبلدة في مجزرة هزت الرأي العام العالمي وقضى فيها 113 شخصاً بينهم 56 طفلاً و30 سيدة تم قتل معظمهم ذبحاً بحراب البنادق والسكاكين والسواطير، وبعضهم قتل برصاص متفجر عن قرب، فيما كتبت لبعضهم النجاة ليظلوا شهوداً على همجية النظام وشبيحته الذين شطبوا من قاموس حياتهم كلمات الرحمة والإنسانية.
في "جمعة يا دمشق موعدنا قريب" بتاريخ 25/ 5/ 2012 خرج العشرات من شبان "الحولة" ككل جمعة في مظاهرات سلمية تهتف بسقوط النظام وتطالب بنيل الحرية والكرامة، ولم تكن الأضاع تشي بهجوم أو تحركات للنظام أو أي عمل عسكري من قبل الفصائل الثورية وليدة التشكيل في المنطقة آنذاك لحماية المدنيين، لكن قوات النظام لم تلبث أن فتحت النار على المتظاهرين بعد صلاة الجمعة، وبدأت قذائف الشيلكا تنهال عليهم لتقتل 4 منهم، وبدأت قوات النظام تقصف منطقة بعيدة عن مركز مدينة "الحولة" نسبياً، فيما بدا أنه تغطية نارية لعمل وشيك -كما يروي الناشط "أحمد الخضر"- الذي كان أحد شهود المجزرة لـ"زمان الوصل" مضيفاً أن عشرات الشبيحة تسللوا حينها من جهة السد (المفرزة) ومن مؤسسة المياه ليرتكبوا مجزرة مروّعة بحق العشرات.
واعتقد أهالي المنطقة -كما يقول- أنهم جاؤوا للتفتيش ككل مرة فاختبأ الشبان كي لا يتم اعتقالهم ومنهم من هرب باتجاه النهر.
واستطرد محدثنا أن الأهالي داخل البلدة لم يكونوا يعرفون ما جرى على أطرافها ولم يسمعوا أي إطلاق للنار، بل علموا بالمجزرة بعد وقوعها بنصف ساعة، ولكنهم كانوا يرون الكثافة النارية تتركز على المكان الذي شهد المجزرة من أسطحة منازلهم.
وقعت المجزرة حوالي الساعة الخامسة النصف عصراً وتعرضت المنطقة حينها لقصف صاروخي من الكلية الحربية بحمص ونقطة عسكرية قريبة من قرية "محناية" الموالية للنظام -حسب شهادة شرطي من الحولة- كان يخدم في حمص.
وروى المصدر أن القصف كان يتركز على الحارة الشمالية وخزان الكهرباء لقطع التيار عن المكان تمهيداً لتنفيذ المجزرة، وبعد وصول الأهالي إلى مكان المجزرة رأوا هول ما حدث وشاهدوا عشرات الجثث لكبار سن ونساء وأطفال مكدسة فوق بعضها البعض في كل بيت من الحي الشمالي تقريباً، وتم توزيع الجثث التي كانت بالعشرات على المساجد في "تلدو" و"كفرلاها" بعد وضع الثلج عليها منعاً لانبعاث الروائح.
تابع المصدر أن الأهالي لم يدفنوا جثث الضحايا إلا في اليوم التالي لوجود المراقبين الدوليين في سوريا آنذاك ومن أجل أن يكونوا شاهدين على جرائم النظام وشبيحته.
وأشار "الخضر" إلى أن فريق المراقبين وصل إلى المنطقة فعلاً بعد التواصل معهم، موضحا أن حاجز القبو آنذاك بداية "الحولة" أدخلهم إلى قرية القبو الموالية فوجدوا أناساً يهتفون: "بالروح بالدم نفديك يا بشار".
ولدى اتصال المراقبين مع أحد النشطاء تبين لهم أنهم في قرية موالية، وروى محدثنا ان المراقبين زاروا مكان المجزرة ورأوا الجثث المكدسة والتقوا بالناجين منها تحت أشجار الزيتون.
بعد خروج المراقبين من المنطقة عاودت قوات النظام قصفها لـ"الحولة" وتحديدا بلدة "تلدو" بشكل متقطع وحوالي الساعة الثانية ونصف من فجر اليوم التالي كان الخضر -كما يقول- موجوداً عند أقاربه فعلم بوجود مصابة في منزلها جانب المشفى فذهب مع عدد من الشبان لإسعافها في ظروف خطرة جداً لأن المنطقة قريبة جداً من نقاط جيش النظام.
وكانت أبواب المنازل -كما يقول- مفتوحة كلها والدماء تسيل من كل مكان، وكان أمام أحد البيوت سيارة فان للشبيح "نعيم صقر" من بلدة "القبو" الموالية الذي كان مسؤولاً عن ميليشيا "الدفاع الوطني"، وكان مع شبيحته يقومون بسرقة مستلزمات مدارس في "الحولة" من كامبيوترات وأجهزة كهربائية وغيرها.
ولفت المصدر إلى أن العديد من أبناء "الحولة" نجوا من المجزرة ومنهم السيدة "سميرة عبد الرزاق " وابنتها 10 سنوات التي أُصيبت برصاصتين في خاصرتها وغابت عن الوعي واعتقد الجناة أنها ماتت، أما الأم فهربت إلى اسطبل في حديقة المنزل واختبأت خلف القش وكتُتبت لها الحياة من جديد.
كذلك نجت السيدة "فوزية الخلف" فيما قتل 20 شخصاً من أهلها ومنهم زوجها وبناتها الأربع سوسن 21 سنة وهدى 18 سنة وندى 12 والصغيرة التي كانت بعمر 10 سنوات وكنتها التي كانت حاملاً في شهرها السابع وطفل كان على صدرها وشقيقتها وأولادها الإثننين وابنة عمها وأولادها الأربعة وسلفتها وابنتها..
ومن الناجين أيضاً "محمد" وشقيقه "راتب عبد الرزاق" اللذان كانا مختبئين داخل سقيفة منزلهما وهناك طفلة تدعى ياسمين 3 سنوات نجت، ولكنها اختفت فيما بعد، ونجا من المجزرة أيضاً الطفل -حينها -"علي السيد" الذي قتلت أمه وشقيقه وتلطخ وجهه بدم شقيقه فظن الشبيح أنه قتل، وكذلك الطفلة "زهرة الحسين" 40 يوماً التي تم انتشالها من بين الجثث وقد اخترقت جسدها رصاصتان فيما استُشهدت والدتها وشقيقتها، ووالدها الذي لم يستطع إكمال الطريق بجراحه فتوفي لاحقاً.
كان أول الواصلين إليها.. شاهد يروي تفاصيل حول مجزرة "الحولة" المروعة

فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية