مجزرة هزّت ضمير العالم، وأبكت الملايين، يوم ذُبح أطفال الحولة من الوريد إلى الوريد.
يومها لم ترحم قوات الأسد وميليشياته المعبأة بالحقد حتى طفلة لم تبلغ بعد سن الحبو، ولا أُمّا لم تبلغ من الأمومة سوى أربعة أشهر من الحليب.
وضع نصل السكين حدّا للأمومة والطفولة معا.
يومها لم يفسحوا لإبنٍ حمل أمه العجوز بأن يركض بها أكثر من خطوتين، كان الرصاص أقرب من برّه بها وأسرع.
حتى الغروب في "الحولة" لم يكن يومها برتقالياً كما عادة الشمس القديمة، كان أحمر كما أراد الجناة.
ها هي ثمانية أعوام تمرّ على المجزرة مقدار كل عام ألف حزن مما يعدّون. صرخات النساء المستغيثات مازالت معلقة في المكان الذي أصبح بركة دم، وعربدة الرصاص مازالت تثقب هدوء ذاك الغروب، ورؤوس الأطفال المفصولة عن الأجساد الطرية مازالت شاخصة في الذاكرة تشخب بالنزيف.
*نهار المجزرة
واكبت منطقة "الحولة" ببلداتها الثلاث (تلدو -كفرلاها - تلذهب) والواقعة في ريف حمص الشمالي الغربي الحراك الشعبي منذ بدايته، وفي مثل هذا اليوم 25 من شهر أيار مايو جابت شوارع المدينة مظاهرات شعبية عارمة ضد نظام الأسد، لتقوم قوات النظام باستهدافها بالمدفعية المتمركزة في حواجز محيطة بـ"الحولة" من موقع مفرزة الأمن العسكري ومؤسسة المياة ومن الكلية الحربية التي كان طلاب الضباط فيها ينفذون تدريباً بالرمي المدفعي على المدنيين ليتم تخريجهم فيما بعد كضباط مدفعية في جيش الأسد.ونتيجة القصف سقط عدد من المتظاهرين شهداء، ليقوم ثوار "الحولة" على إثرها بالهجوم على حاجز مفرزة الأمن العسكري في "تلدو" والسيطرة عليه بقصد الضعط على النظام ليوقف من القصف الجنوني الذي أجبر أهالي بلدة "تلدو" إلى النزوح إلى البلدات المجاورة، ولم يهدأ يومها حتى الغروب، ليظهر بعد الغروب أن هذا الهدوء لم يكن سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة.
*الغروب الدامي
عند الساعة السادسة والنصف بعد غروب الحسّ، تسللت قوات جيش النظام مدعومة بمجموعات من الشبيحة والميليشيات الطائفية من القرى الموالية إلى بلدة "تلدو" من جهتين، جهة الطريق العام حيث أمعنوا تقتيلا بمن تبقى من المدنيين الذين لم ينزحوا، ومن جهة حي "السد" الواقع جنوبي البلدة، والذي بقي فيه عائلتان لم تنزحا من آل "عبد الرزاق" و"آل السيد" الذي كان بينهم ضابط متقاعد في الشرطة برتبة عقيد لم تشفع رتبته وسنوات خدمته الطويلة له ولأفراد أسرته الخمسة عشرة الذين تمت تصفيتهم جميعاً ماعدا إحدى زوجتيه وبنتها اللتين تمكنتا من الهرب عبر باب خلفي للمنزل لتكونا شاهدتين على فظاعة ما حدث.
وقد أسفرت تللك المجزرة عن استشهاد 108 مدنياً، كان منهم 49 طفلاً دون سن العاشرة معظمهم قضى ذبحاً بالسكاكين و34 امرأة و25 رجلاً من لم يقضي منهم ذبحاً بالسكاكين وطعنا بحراب البنادق قضى رميا بالرصاص. أثارت مقاطع الفيديو التي ظهرت فيها بشاعة القتل ومنظر الأطفال المذبوحين والتي نشرها النشطاء الإعلاميون استنكاراً دولياً عارماً فقد كان سن الضحايا وطريقة القتل والمشاهد الدامية صادماً للعالم، الأمر الذي حدا بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وسويسرا وهولندا وبلجيكا وبولندا والنرويج والبرتغال واستراليا وتركيا إلى طرد سفراء النظام السوري من أراضيها فوراً، ولتؤكد لجنة المراقبة الدولية التابعة للأمم المتحدة في تقريرها مسؤولية نظام الأسد المباشرة عن وقوع هذه المجزرة الشنيعة.
ولكن بعد كل ماحدث هل حال تقرير الأمم المتحدة وطرد الدول الستة عشرة لسفراء النظام من أراضيها دون ارتكاب نظام الأسد مجازر مماثلة في المستقبل وبكل ما أتيح له من أسلحة الممنوع منه دوليا والمسموح!
سليمان النحيلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية