أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل تحول عقدة الخوف الإسرائيلية دون تحقيق السلام؟ ... مهى عون

 


على مدى عقود نظر العرب إلى إسرائيل نظرة الخوف. قد يكون موقفهم التراكمي هذا، متأتي من خسارتهم لحروب خاضوها ضدها في الستينات والسبعينات من القرن السابق. ولكن العرب لم يدركوا بعد أنه حان وقت تغيير نظرتهم هذه، وموقفهم هذا تجاه الكيان الاسرائيلي، خاصة وأن عقدة الخوف عندهم يمكن تسميتها بال "مكتسبة" حديثاً، مقارنة بعقدة الخوف "التاريخية" والتي تتحكم بوجدان وثقافة الانسان اليهودي، والتي تبقي كل معني بالشأن العام الاسرائيلي، أيا كان موقعه أو ميوله أو سياسته، ضمن إطار واحد جامد لا يتغير، يكبله ويمنعه من التقدم بأي عملية تقارب أو تصالح مع جواره المباشر، أو الأبعد. وإدراك هذا الواقع من قبل العرب هو ضروري ليس من باب مد يد العون للاسرائيليين ولنشلهم من تخبطهم ومراوحتهم في مستنقع مخاوفهم التاريخية، بل من أجل تفهم دوافعهم، بهدف فتح الآفاق أمام بروز قواسم مشتركة تمكن من التوصل لإقامة السلام الشامل والعادل المنشود.
في ما مضى وقبيل وبعد مؤتمر كامب دايفد،(2000)، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يقول بأنه لا بد من "الإقدام على سلام الشجعان". وهو مصيب في تعبيره لأن تحقيق السلام يتطلب فريقين شجاعين مصممين عليه، وليس فريقاً مصمماً وفريقاً يناور ويراوغ ويتوارى، مختبئاً وراء مواضيع وأمور ثانوية. وتحقيق السلام يحتاج لشجعان ولا يمكن أن تنتظره من الضعفاء أو الخائفين، لأن الخوف والضعف يتبعهما التردد والتراجع والضياع على مستوى القرار. اسرائيل تحاور وتطرح كل مرة مواضيع مختلفة وثانوية لتفادي الولوج في الأساس، بسبب خوفها من نتائج مقاربة الأهم. والأمور الثانوية المطروحة اليوم هي مسألة تجميد الاستيطان. وتجميد الإستيطان هو من دون شك شأن ضروري وأساسي، ولكنه يصبح ثانوياُ في سلم الاولويات. والاولويات تظل ضرورة تطبيق القرارات الدولية فيما خص إعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها.
تناور إسرائيل وتحاور في مسألة السلام ولكن ليس بمقدورها الإقدام عليه فعلاً. فبالرغم من جبروتها العسكري وترسانتها المتطورة والمتفوقة على دول الجوار العربي، تتصرف على صعيد المنطقة بعقلية وسلوك الخائف والضعيف. من هنا مأزق حركة التحرر الفلسطينية على مدى عقود في سياق بحثها عن شكل من أشكال السلام مع إسرائيل. مأزقها أنها تتعامل مع سلطة وليس مع دولة .تتعامل مع القوة وليس مع القانون. إسرائيل نشأت كسلطة وتستمر هكذا دون التمكن من التحول إلى دولة، ما دامت لم تتخطى عقدة الخوف عندها الناتجة عن تاريخ مثقل بالاضطهاد خارج فلسطين. ولا يأتي فقط توظيفها الجماعات اليهودية المأساوي في ألمانيا وفي أوروبا بعامة، من أجل إضفاء الشرعية على مذابح وسياسات عدوانية معادية للفلسطينيين والعرب، بل وأيضا من موقف لا شعوري عنصري رافض للاختلاف، وللآخر بشكل عام. في الحقيقة لا يهم كثيرا إسرائيل أن يعترف ويقر العرب بيهودية إسرائيل كما لا تهمها المقايضة، مقايضة تجميد الإستيطان بالتطبيع مع العرب كما تحاول إيهام الولايات المتحدة. فهي في كل الأحوال باعترافهم بيهوديتها أو بعدمه، وبتطبيعهم معها أو بعدمه، تظل تفضل التقوقع وعدم الاندماج وليس لشىء سوى لأنها تخاف الذوبان وبالتالي الاضطهاد فالانقراض.
لهذه الاسباب اسرائيل لم تستطع ولن تستطيع أن تنشىء دولة قادرة على صناعة السلام. فالكيان المزعزع الاواصر لا يمكنه سوى التهرب من اتفاقيات سوف تزيد تزعزعه. والكيان الذي يحمل العنف في تكوينه لا يمكنه أن يصنع السلام. والدولة التي قامت على اسس العنف والاغتصاب لا يمكنها أن تغير هذه الاسس أو تفقد مسببات وجودها. فالمبارزة الدائمة هي ضرورة وجودية. واسرائيل ليست دولة بمفهوم الدولة القادرة على التأقلم مع المتغيرات السياسية الطارئة في المنطقة والعالم. إسرائيل خاضت الحرب مع مصر والاردن على أساس أنها دولة وتبين لاحقاً بأنها لا تستطيع التطبيع العملي معهما لأنها ما زالت سلطة. فالتطبيع يتطلب مقومات دولة بينما يستحيل تحقيقه في ظل الكيان السلطوي المتغير الأطر والقائم على العنف والعدائية،وعلى نقض الاتفاقيات كل يوم وكل ساعة.
لايمكن لاي كيان من الاستمرار في جو عداء دائم مع محيطه المباشر،وخاصة على المدى البعيد. ولا بد لاسرائيل من الاعتراف بهذا الواقع وبهذه الحقيقة. ولكن إسرائيل تؤثر المراوغة على الاعتراف بأي شيء. أما قمة المراوغة فتكمن اليوم في تمثيلية نتانياهو، وفي تلطيه وراء موقف مزعوم للمعارضة أي معارضة المتشددين في حزبه، إذ يدعي بأنهم يرفضون مبدأ تجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. هذا في حين تبين لاحقا بأنها مجرد ذرائع، والمتشددون الرافضون لا يتعدوا الاثنين الهامشيين ، فيما رفض الآخرون الانصياع فالانضمام لمسرحية نتنياهو هذه.
رضخت الإدارة الأميركية كما العادة وأقرت بالتراجع أمام هذه المسرحية. وتمكن الاسرائيليون من عملية هروب جديدة من الضغوط الأميركية، وأغرقوا السمكة. وكلمة حق يراد بها باطل قالها وزير الحرب إيهودا باراك في إسدائه النصائح للجانب الأميركي المصرِّ على تجميد الاستيطان عندما قال لهم: "هل تريدون أكل العنب أم قتل الناطور"؟
طبعاً الاستيطان تحول إلى ورقة ضاغطة كثيرا وكان لا بد لوزير الحرب الاسرائيلي من إسداء النصائح لتخطيها قائلاً: "هل بناء المستوطنات كافٍ لبناء خصومة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"؟ وهل "بناء بيت هنا وبيت هناك" على حد تعبيره، هو في أهمية تحريك عجلة المفاوضات مع الفلسطينيين؟ وزير الحرب سئم الكلام بشأن الاستيطان، ويفضل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فما هو الموضوع العقيم الذي سوف يطرحه بارك ليأخذ مكان موضوع الإستيطان في التداول....؟ وفي المشادات المقبلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟..... وبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟
لا يهم ما هو الموضوع المقبل. المهم أن تعود القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي إلى نقطة الصفر، والمفاوضات إلى خانة الانطلاق.............. وهكذا دواليك.

 

(104)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي