أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين تعزيز سلطة الحكم الذاتي وتقويضها... أ.د. محمد اسحق الريفي

لا يمكن تبرير مشاركة حركة "حماس" في النظام السياسي لسلطة الحكم الذاتي إلا بالعمل على تقويض هذه السلطة، بمعنى إفشال دورها في تسوية قضية فلسطين وفق الرؤية الصهيونية والغربية، وتحرير المواقع القيادية للشعب الفلسطيني من جماعة أوسلو، وحماية حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة للاحتلال. وذلك لأن وظيفة تلك السلطة الخاضعة لسلطة الاحتلال هي التحكم في حياة ملايين الفلسطينيين في الضفة وغزة، بالطريقة التي تحقق للكيان الصهيوني أمنه، وتمكنه من تنفيذ مخططاته في إطار المشروع الصهيوني، ولأنها تمارس دور الوكيل الأمني للاحتلال، وتنفذ مخططات حلف "الناتو" الرامية إلى إغلاق ملف قضية فلسطين وشطب وجود الشعب الفلسطيني، ولأنها رضخت لشروط وإملاءات اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بتمرير الحلول الاستسلامية على الشعب الفلسطيني.

أذاً هذا هو معيار الحكم، من وجهة نظر سياسية، على مشاركة "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى الرافضة للتسوية السياسية الراهنة في النظام السياسي لسلطة الحكم الذاتي، فإن أدت هذه المشاركة إلى تعزيز نهج المقاومة وإفشال مخططات "الناتو" والحركة الصهيونية العالمية الخاصة بفلسطين المحتلة، فإن هذه المشاركة تصبح واجباً وطنياً، لأنها تهدف إلى تقويض السلطة بالعمل من داخلها. وبديل ذلك هو تقويض السلطة بالعمل من خارجها. أما إذا أدت تلك المشاركة إلى الاندماج في سلطة الحكم الذاتي اندماجاً يقويها ويعزز نهج التسوية السياسية الراهنة، وإلى إلزام الشعب الفلسطيني وقواه السياسية بشروط الرباعية الدولية وإملاءاتها، وهي شروط وإملاءات مجحفة بحق شعبنا الفلسطيني، فإن هذه المشاركة تصبح خيانة وطنية وخدمة رخيصة للكيان الصهيوني.

ولا شك أن القيام بهذا الواجب الوطني سيؤدي إلى انقسام الشعب الفلسطيني إلى فريقين: فريق مؤيد للتسوية وخانع للاحتلال ورعاته الغربيين، وفريق رافض للتسوية ومقاوم للاحتلال. وعندها ستدفع القوى الأجنبية الساعية إلى إسقاط حقوق شعبنا الفلسطيني بالفريقين إلى الصراع مع بعضهما، لأن الصراع الفلسطيني - الفلسطيني يزيد معاناة الشعب الفلسطيني، ويشكل أداة ضغط عليه وعلى فريق المقاومة، ويشوه صورة المقاومة، ويؤثر سلباً على الدعم الشعبي العربي والإسلامي لقضية فلسطين، خاصة أن تلك القوى الأجنبية تدعم فريق الاستسلام بطرق عديدة، وتحشد الدعم العربي والدولي له، ولا تكف عن محاربة المقاومة.

ويخضع الحكم على الصراع الداخلي ومحاولة التوصل إلى مصالحة وطنية وإنهاء هذا الصراع للمعيار ذاته، فلا لمصالحة تعزز سلطة الحكم الذاتي وتخضع شعبنا لالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية تجاه الاحتلال، ولا يحق لأي طرف إلزام فصائل المقاومة بتلك الالتزامات المخزية، خاصة إذا كانت تلك الفصائل ليست جزءاً من منظمة التحرير الخاضعة للتيار المتصهين والمتاجرين بقضية فلسطين. وفي هذا السياق، الورقة المصرية للمصالحة تهدف أساساً إلى تعزيز السلطة، وإجبار "حماس" على التقيد بالتزامات المنظمة، وإحياء التسوية.

ولذلك فإنه في حالة المشاركة في نظام سلطة الحكم الذاتي، فإن الفصيل المشارك سيجد نفسه أمامه خيارين فقط: إما العمل على تعزيز السلطة، وإما العمل على تقويضها. ولا شك أن هناك خياراً ثالثاً، وهو رفض المشاركة السياسية في السلطة ومواجهة الاحتلال ووكلائه الأمنيين في آن، خاصة في الضفة المحتلة، بسبب الوظيفة الأمنية التي تضطلع بها السلطة هناك. وهذه المواجهة مفروضة على شعبنا الفلسطيني، ليس فقط بسبب رفض التقيد بالتزامات المنظمة تجاه الاحتلال، ولكن أيضاً بسبب رفض شروط الرباعية. وما الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة إلا جولة شرسة من جولات هذه المواجهة، إذ كانت تلك الحرب تهدف إلى إجبار شعبنا على الاستسلام، عبر إجبار "حماس" على الخضوع لشروط الرباعية.

وعلى القوى السياسية الفلسطينية أن تتبنى الخيار الذي يؤدي إلى حماية وجود شعبنا الفلسطيني ويعزز صموده ومقامته للاحتلال، ويرفع عنه المعاناة والظلم والعدوان. ويتحقق ذلك عبر تشكيل جبهة مقاومة ترفض الانخراط في سلطة خاضعة للاحتلال، وترفض حل الدولة معدومة السيادة ومنزوعة السلاح على جزء من فلسطين تتخلله المغتصبات الصهيونية، ويُهجر إليها فلسطينيو الداخل، لتحقيق حلم الصهاينة بإقامة دولة يهودية في فلسطين.

إن تجربة مشاركة "حماس" في السلطة في السنوات الأربع الماضية تحتاج إلى تقييم شامل، يشارك فيه خبراء سياسيون وإستراتيجيون، فلسطينيون وعرب، وإلى دراسة عميقة تتضمن مقارنة الإنجازات بالتضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا والمقاومون، وتحديد الأخطاء والإخفاقات، ولا سيما أننا على أبوب مرحلة جديدة يتم فيها التحضير لانتخابات عامة تهدف إلى إحياء عملية التسوية. ولا عزاء لشعبنا، بعد انكشاف سوءة سلطة الحكم الذاتي، واستحالة إصلاحها، إذا لم يضع نصب عينيه تقويض هذه السلطة وملء الفراغ الناتج.

12/9/2009

(97)    هل أعجبتك المقالة (92)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي