تشتد حاجة اللبنانيين الى وصيّ أكثر منها الى وسيط في بلد حربه معقدة، سلمه معقد، دستوره طائفي، ويعترف حتى قادته بأنه عاجز عن التحرك بلا تدخل خارجي.
وتترسخ هذه القاعدة في كل مرة يسعى فيها لبنان الى تشكيل مؤسسة سياسية، بدءا بالرئاسة التي ظل كرسيها شاغرا لسبعة شهور بين عامي 2007 و2008 ثم الحكومة التي اعتذر سعد الحريري عن تشكيلها بعد طول أخذ ورد مع خصومه في المعارضة.
وحبس اللبنانيون انفاسهم هذه المرة 75 يوما منذ تكليف الحريري، وهذا ليس جديدا عليهم فقد حبسوها في فترة الفراغ الرئاسي التي تخللتها اعمال عنف دامية قادها حزب الله في بيروت لاستعراض القوة، وقبل ذلك في الفترة التي اعقبت اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، وانقطعت انفاسهم 16 عاما ابان الحرب الاهلية التي اندلعت في 1975.
وخلال هذه الحرب، كانت الاطراف اللبنانية تتقاتل ضمن محاور سياسية ودينية متداخلة واحلاف تتغير من وقت لآخر تبعا للتحولات الداخلية والخارجية.
فإلى جانب الجيش اللبناني والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار والحركة الوطنية وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، هناك ايضا اطراف خارجية هي الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
فترات التوتر السياسي الداخلي -تاريخيا- تكون دائما طارئة، أما في لبنان فإن هذا البلد، الصغير بمساحته وحجم سكانه، ظل واقفا دوما على برميل بارود منذ تأسيسه في اعقاب انهاء الانتداب الفرنسي عليه في 1943.
ومن سماته التي تطبع فرادته، ان التدخل الخارجي مسموح، بل ومرحب به ايضا.
ويلعب الدستور الطائفي دورا حاسما فيما آل اليه لبنان، فالرئيس يجب ان يكون مسيحيا، ورئيس الوزراء سنيا، ورئيس المجلس النيابي شيعيا.
ولا يمانع اللبنانيون في تأزيم الوضع الداخلي لتحقيق مكاسب سياسية، اذ قال مراقبون ان الحريري اعتذر عن تشكيل الوزارة المنتظرة ليعاد تكليفه مرة ثانية على أمل ان يكون هو الشخصية الوحيدة المقترحة داخليا وخارجيا.
وبالفعل، امتنعت قوى المعارضة الرئيسية في لبنان عن تسمية بديل عن الحريري.
وكان كل من حزب الله والتيار الوطني الحر وهما من الأقلية، امتنعا خلال المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأدت الى تسمية الحريري عن اقتراح اي اسم لرئاسة الحكومة.
وسمت كتلة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، المنتمي أيضا الى الاقلية المعارضة، الحريري الذي يحظى بتأييد 71 نائبا في البرلمان من 128، وهو العدد الذي فازت به لوائح قوى 14 آذار وحلفائها في انتخابات حزيران/يونيو.
وفي 2008، استفادت المعارضة من أشهر الفراغ الرئاسي السبعة بعد ان اتفق الفرقاء اللبنانيون في العاصمة القطرية على انتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويزدحم لبنان بالتجاذبات السياسية العربية والدولية، فمن ايران وسوريا اللتين تلقيان بثقلهما السياسي لصالح حزب الله وحلفائه الى السعودية والولايات المتحدة الواقفتين الى جانب قوى 14 آذار بزعامة الحريري الابن وقبله الاب.
وأدت عوامل اقليمية وخارجية الى تقارب بين دمشق والرياض اتاح تهدئة الاوضاع في لبنان لبعض الوقت.
ولا يجد القادة السياسيون في لبنان غضاضة في التصريح علنا بأن مشاكل البلد "ينبغي" حلها في الخارج.
فقد أكد بري مؤخرا "ايمانه" بان التقارب السعودي السوري الذي يطلق عليه عبارة "معادلة س.س" يشكل "معبراً لاستقرار لبنان".
وفتح هذا التدخل الخارجي الواضح الباب امام دولة عربية اصغر سكانا ومساحة من لبنان في المسارعة بتقديم عرض ثان لاخراج اللبنانيين من مأزق الفراغ الحكومي بعد اعتذار الحريري عن تشكيل الوزارة.
وقال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني "نأمل ان يتوصل اللبنانيون الى حل ولكننا مستعدون لمساعدتهم في هذا المجال في حال كان الامر ضروريا".
واضاف "نتوقع ان تؤدي المشاورات الجارية حاليا الى نتيجة ايجابية مع المعارضة وان تسفر عن اتفاق"، مضيفا "في لبنان، كل الامور يجب ان تتم من خلال تسوية".
وهكذا، سيبقى الوضع في لبنان متوترا فمتأزما فمتفجرا في كل حين ما لم ينتفض أهله على التدخل الخارجي ويعلنون طلاقهم مع الطائفية السياسية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية