لم تنل الإصابات المزدوجة التي أُصيب بها الشاب الثلاثيني "فيصل" من إرادته أو تدفعه للانزواء في زوايا اليأس أو القنوط، رغم أن الحرب أخذت منه ما أخذت وغيّرت مسار حياته رأساً على عقب، بعد أن أصبح "كفيفاً" وفاقداً للكثير من النعم التي أنعمها الله عليه جراء إحدى القذائف التي طالت منزل عائلته في مدينة "تلبيسة" ريف حمص الشمالي قبل سنوات، ولكنه تمكّن من قهر الظلام والألم بالإرادة والأمل.
عاش "فيصل" كغيره من أبناء مدينته سنوات حصار خانق امتدت ما بين عامي 2012 و2018 خسر خلالها 53 شخصاً من عائلته من بينهم أخ وابن عم له، إضافة إلى 40 معتقلاً مجهولي المصير إلى الآن.
وبتاريخ 19 /7 /2015 ثالث أيام عيد الفطر- سقطت قذيفة على منزله عند آذان المغرب، فأصيب مع 8 من عائلته وصديقان له فقد جراءها عينيه على الفور وتهشّم أنفه وعظم الدماغ وفقد أيضاً حاستي الذوق والشم، كما أصيب بكسر في يده اليمنى وآخر في قدمه اليمنى التي انقطع عصبها الشرياني وفقد الإحساس فيها كما فقد الذاكرة فور إصابته.
وروى الشاب المصاب لـ"زمان الوصل" أنه أُسعف على الفور إلى المشفى الميداني في مدينة "الرستن"، فاكتفى الطبيب المعالج بوصل شريان القدم لأن مثل حالته -كما قال- مصيرها وبقي "فيصل" أسبوعين في ريف حمص الشمالي دون علاج لأنه لم يستطع الخروج إلى مدينة حماة بسبب قوات النظام التي كانت تحاصر ريف حمص الشمالي من أربع جهات.
وتابع محدثنا أن ثوار الريف أخرجوه 3 مرات وكانت في كل مرة تحصل اشتباكات مع جيش النظام سقط فيها 10 شهداء، وفي المرة الرابعة في 5/8/2015 أُخرج -كما يقول- داخل صهريج مازوت في رحلة استغرقت 9 ساعات بسبب حواجز النظام، رغم أن المسافة لا تستغرق في العادة أكثر من ساعتين ونصف.
وأقام في دار للجرحى بريف المهندسين وكان -حسب قوله- فاقداً للذاكرة واستمرت هذه الحالة لستة أشهر منذ لحظة إصابته، وهناك أجرى عمليات جراحية عدة إحداها لوقف نزيف الرأس و3 عمليات لأنفه وأسنانه وعملية وصل للعصب المقطوع في قدمه وتم وضع صفائح معدنية في يده وقدمه.
بعد ستة أشهر من مكوث "فيصل" في ريف حلب لحق به شقيقه وأخبره أن قذيفة سقطت على منزلهم قبل نزوحه وخلال دقيقتين عادت له الذاكرة وأول ما تذكر–كما يقول- والده ووالدته وأشقائه.
بتاريخ 25 كانون الثاني يناير/2016، ونظراً لاشتداد الأوضاع في ريف حلب اضطر "فيصل" للجوء إلى تركيا والتحق بـ"دار التعافي للجرحى" في "الريحانية"، وبقي فيها سنتين وسبعة أشهر.
وروى الشاب المصاب أن الطبيب الذي عالجه عند إسعافه في المشفى الميداني بـ"الرستن" التقى به في دار الجرحى ولم يصدق أنه لازال على قيد الحياة، وكان –حسب قوله- الداعم النفسي لنزلاء الدار عندما يرونه مبتسماً ومتفائلاً رغم فقدانه للبصر بشكل كامل وإصاباته العديدة.
لم يستسلم الشاب الثلاثيني لوضعه الصحي بل اتجه لممارسة حياته الطبيعية بعزم وإصرار وإرادة واقترن بفتاة سورية بعد خروجه من الدار وأنجب ابنة في السنة والنصف من عمرها وأدى فريضة الحج مع زوجته بتبرع من أحد أهالي الخير، وينتظر مولوداً آخر بعد أسبوعين مما جعله يشعر بطعم الحياة من جديد، ويخضع لعلاج فيزيائي في المركز الأكاديمي الذي يشرف عليه الدكتور "فايز مطر" بإشراف الممرضة "ماجدة الجندي" من مدينة اللاذقية.
وكشف الشاب القادم من ريف حمص الشمالي أنه لم يكف عن البحث عن علاج لإصاباته العديدة وأرسل ملفه الطبي إلى أكثر من دولة أوروبية على أمل أن يتم علاجه لكن دون جدوى، مشيراً إلى أنه بحاجة إلى عملية لأنفه ليستعيد حاسة الشم المفقودة لديه وعملية لإزالة الصفائح الموضوعة في قدمه ويده، وعلاج حالة النوبات الكهربائية التي تنتاب قدمه اليمنى التي فقد الإحساس بها منذ بداية إصابته.
ولا يزال مصير "فيصل" معلقاً بين آمال البحث عن علاج لإصاباته المستديمة وصعوبات الحياة كلاجئ في تركيا لافتاً إلى أنه لم يتلق أي دعم إغاثي منذ أكثر من عام ونصف، ويعتمد في معيشته على "كرت الهلال" الذي لا يكاد يغطي آجار منزله والنزر اليسير مما يحتاجه من متطلبات حياتية مع زوجته وابنته، مضيفاً أن عدداً من المنظمات الإنسانية جاءت إليه ووعدته خيراً وختم بنبرة مؤثرة أن "البعض للأسف يعتقدون أن حياة الجريح انتهت وبات جسداً بلا روح".
"فيصل".. شاب من ريف حمص الشمالي قهر الظلام بالإرادة والأمل

زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية