يبدو أن ساسة أوروبا والمعنيين بقطاعاتها الصحية، يدركون أكثر من غيرهم حجم "تسونامي" كورونا الذي ينتظر أن يجتاح بلاد القارة، لتكون مشاهد الموت والإصابات الماضية والحالية مجرد استعراض لمقدمة فيلم غير قصير من الرعب المكثف.
وعلى هذا التوصيف، يتفق معظم قادة أوروبا، الذين صرحوا منهم والذين لم يصرحوا، من أن الأسوأ لم يأت بعد، وأن بلادهم ستكون عرضة لموجة عاتية تجعل عديد الإصابات والوفيات يتضاعف بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن.
وبغض النظر إن كان الأمر شفافية ومكاشفة واتباعا لسياسة الأمر الواقع، أو كان إعلان عجز رسمي وإفلاس من الحلول.. بغض النظر عن هذا وذاك، فإن وجه أوروبا سيتغير كثيرا وربما كليا بعد مرور تسونامي الوباء، ليضع الشعوب في مواجهة حكوماتها والحكومات في مواجهة شعوبها.. مواجهة لا يستطيع أحد التكهن بشكلها ولا مداها، ولكنها قادمة لا محالة، حسب رؤية المراقبين.
فعندما يقول مدير هيئة الخدمات الصحية البريطانية إن بلاده إذا خرجت من أزمة كورونا بعدد وفيات يناهز 20 ألفا، فسيكون ذلك "خيرا وبركة"، وعندما يقول رئيس وزراء فرنسا إن الموجة الكبرى ستضرب بلاده خلال الأسبوعين الأولين من نيسان/أبريل، وإن الأسبوعين الماضيين كانا –على ما فيهما من وفيات- سهلين، وإن فرنسا ستكون على سكة إيطاليا وإسبانيا قريبا.. عندها يمكن أن نعرف حجم فاتورة الخسائر البشرية التي تيقنت أوروبا أنها ستدفعها لا محالة، أما الخسائر الاقتصادية وحتى السياسية التي يمكن أن تضعف –أو تفصم- عرى الاتحاد الأوروبي، فهي أمر آخر تماما، من حيث فداحته وامتداد عواقبه الوخيمة لسنوات طوال.
وعلى النقيض من الساسة الأوروبيين، وعلى الطرف الآخر للأطلسي، يحاول زعيم البيت الأبيض مواصلة مكابرته على الكارثة، رغم أن الولايات المتحدة باتت وبلا منازع في المرتبة الأولى بعدد الإصابات، وفي هذا مشهد ساخر وسط المأساة، يقول بـ"عودة أمريكا عظيمة" مرة أخرى، في تجسيد لشعار "ترامب" المشهور، الذي دغدغ به مشاعر الناخبين، واستطاع تطبيق جزء غير يسير منه، عبر توسيع مشروع "السلبطة" الأمريكية عالميا، وضخ عائداته في شرايين الاقتصاد، ليبرز في شكل نمو سنوي وتصاعد كبير في عدد الوظائف، سرعان ما عصف به كورونا.
ولا تبدو مكابرة "ترامب" سوى محاولة صبيانية لشخص ضرب الفيروس المجهري مشروعه في الصميم، ونثر معظم مكاسبه الاقتصادية والسياسية التي حققها في سنوات، لتكون هباء، ومن هنا يبدو ثأر "ترامب" ثأرا شخصيا، بخلفية انتخابية فاقعة، أكثر منه ثأرا لزعيم يريد أن ينقذ بلاده وشعبها من "عدو" لا يرحم، مجسدا –وللمفارقة أيضا- صورة "المدمر" الأمريكي الذي لا يرضى بأقل من إبادة خصمه!
وبعكس الانسجام البادي بين ساسة الاتحاد الأوروبي، تحديدا من حيث اتفاقهم على ضخامة الفاتورة، يبدو التنافر جليا في الإدارة الأمريكية بين شخص "ترامب" الذي يريد التعامل مع جائحة كورونا بمنطقه التجاري البحت، وبين مسؤولين آخرين يحذرونه من بث الآمال الكاذبة وضخ الوعود الجوفاء في أسماع مئات ملايين الأمريكيين.
والحقيقة أن استمرار تعاطي "ترامب" كتاجر أولا وكممثل لحزب اختاره ليكون رئيسا، وعليه أن يحافظ على ثقة الحزب وناخبيه.. استمرار هذا التعاطي ربما يجر على الولايات المتحدة ما لا طاقة لها بمواجهته، من خسائر قد تذهب ببقية "مكاسب" حقبة ترامب، الذي ينسى أو يتناسى القاعدة التجارية القائلة إن من يريد كسب كل شيء عليه أن يستعد في المقابل لخسارة كل شيء.
وسواء في مشهد التناغم "الظاهري" بين قادة الاتحاد الأوروبي، أو التنافر الفاقع بين قادة الولايات المتحدة (الرئيس وحكام الولايات)، فإن النتيجة ستكون بعد انقضاء تسونامي كورونا واحدة، وهي تغير جوهري على كلا ضفتي الأطلسي، ما لم تستطع هاتان "الضفتان" الاتفاق على مشروع مشترك، تنفذانه سوية وينقذهما سوية.
كورونا على ضفتي الأطلسي.. التناغم والتنافر يؤديان إلى نتيجة وخيمة واحدة إلا..

إيثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية