أحد أكثر العارفين بأحوال البلاد أخرج نفسه من النقاش الحكومي العقيم. اكتفى رئيس مجلس النواب نبيه بري بكلمتين مختصرتين عن التوافق السوري السعودي، وصمت. وهناك على الجبهة السورية السعودية الكثير من الكلام والقليل من المعلومات، أو التطورات الفعلية.
لا شك في أن الحوار السوري السعودي قطع شوطاً، وخاصة لناحية تسليم سوريا مطلوبين جهاديين إلى المملكة، التي عادت أخيراً لتعيش هاجس تنظيم القاعدة، من ملاحقة أعضاء التنظيم على أرضها، إلى تعرض شخصيات رئيسية في العائلة الحاكمة كمساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف آل سعود لمحاولات اغتيال جريئة، عبر عملية أمنية ومركبة، كما يورد بيان تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب.
لكن، إلى جانب هذا الملف الأمني، لم يتحرك الكثير بين الطرفين، فلا اتفاق واضحاً بينهما، ولا تسهيلات كبيرة للأمور الكبرى العالقة في المنطقة، التي تُعَدّ تشكيلة الحكومة واحدة منها.
في العاصمة السورية يهتم المسؤولون الأمنيون بإبلاغ زوارهم من اللبنانيين أن المخاوف السورية كبيرة من ردات فعل عراقية على ما أصبح يمثّل أزمة بين بغداد ودمشق، وهم يبدون قلقاً من تصاعد أعمال تنظيم القاعدة في العراق، ومن إمكان تسلل أمني ما نحو الداخل السوري، إضافة إلى الانعكاسات السلبية للتوتر بين العاصمتين.
ولا يأخذ الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تنعكس العلاقات الفاترة بين الرياض ودمشق على الملف السوري العراقي.
ويتحدث الذين يعلمون بما ينطق به لسان السياسيين السوريين عن أن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما لا يزال يمضي في المنطقة بمشاريع بوش نفسها، لكنه يرتدي حلّة ألطف من سابقه ـــــ أو بتعبيرهم أنه يحاول التذاكي على المنطقة والأطراف المعارضة له ـــــ وأن الاتصالات بين الأميركيين والسوريين لم تُفضِ إلى حلول للأزمات في المنطقة، إلى جانب ما يواجهه الأميركيون وأصدقاؤهم من باكستان إلى أفغانستان، مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن والسعودية، وأفريقيا، من هجمة مرتدة لتنظيم القاعدة أو لقوى شديدة المعارضة للمشروع الأميركي، لا ترى فيه الإدارة الأميركية إلا أصابع سورية وإيرانية، تحاول اللعب بمصير الإدارة الأميركية السياسي، بينما الأخيرة تعمل على ملف الأزمات الأميركية الداخلية.
وفيما يبالغ البعض باعتبار أن لبنان يشهد انعكاسات ما يجري في المنطقة عبر تعطّل تأليف الحكومة وعبر أنشطة بدأ رصدها، منها ما يشير إليه بعض المبالغين في نشاط أفواج طرابلس والقوى السلفية في الشمال، فإن آخرين يشيرون إلى أن حركة الأفواج وبعض القوى الإسلامية والمجموعات السلفية في الشمال، مرتبطة بالتوتر الذي شهدته منطقة باب التبانة ـــــ جبل محسن، وليست أبعد من ذلك. بينما تُعَدّ حركة بعض القوى السلفية الجهادية آتية من مناخ آخر تماماً.
المتابعون للواقع المحلي يتحدثون عن إعادة تموضع تقوم بها المملكة السعودية في لبنان، عبر إعادة تنظيم بعض الرموز والمواقع، بانتظار ما سيكون من رضى سعودي عن تأليف الحكومة وتقطيع الأزمة المتواصلة، إذا ما تم الفرج على الخط السوري السعودي.
في المقابل، تعيد دمشق قراءة ما جرى في الأشهر الماضية في لبنان، وخاصة مع أصدقائها في الانتخابات النيابية، ويهتم السوريون بتسريب ما مفاده أن بعض النقاط ما زالت قيد البحث، ولا سيما الخلل في نتائج الانتخابات وأساليب خوضها من المعارضة، وعمّا إذا كان ذلك ناتجاً من سوء قراءة أو سوء إدارة أو سوء نية من الحلفاء في خوض المعركة الانتخابية. على الأقل، يهتم متابعون محليون بنقل هذه الوجهة، ربما انطلاقاً من واقع يعيشونه يومياً.
كل هذا يقف اليوم أمام من يريد تأليف الحكومة، وبينما ينفض الرئيس نبيه بري يديه بكلمتين مقتضبتين خلال الاحتفال الخطابي الأخير، يدور الطاقم السياسي اللبناني على نفسه كل يوم، وتبدأ نشرات الأخبار في البلاد بمقولة أن «جديد تأليف الحكومة أن لا جديد فيها». وينتظر العارفون انفتاح باب التأليف، لكن من دمشق والرياض، على خلاف كل الكلام عن حكومة لبنانية الصنع مئة في المئة.
أما الخط الآخر الذي يعمل من تحت الأرض، وفي الخفاء، ويعيد ترتيب بيته ونفسه، فهو خط القوى الجهادية في لبنان، الذي سبق أن أعلن مرشده الأول الدكتور أيمن الظواهري في كلمات عبر شبكة الإنترنت ضرورة تحويل لبنان إلى أرض للجهاد بوجه الاحتلال الصليبي، المتمثل هنا بقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، إذ بدأت تتقاطع معلومات مفادها أن كلمات أيمن الظواهري لم تكن حديثاً في الهواء، بل إن هناك من أتى إلى لبنان مُرسَلاً من الظواهري، ويحمل رسائل، يقول إنها من الشيخ أسامة بن لادن، لإعادة تفعيل أرض لبنان ساحةً للجهاد ضد اليهود والصليبين، وخاصة «خلال هذه المرحلة التي تسمح لنا بالتحرك، ومع غياب حكومة في البلاد». علماً بأن المتضرر الفعلي من أي نشاط لتنظيم القاعدة في لبنان لن يكون إلا سوريا، والسعودية تالياً، إضافة إلى الخاسر الأكبر، أي السلطة اللبنانية المركزية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية