نتميز نحن الاردنيين في تعاملنا مع الاردنيات بأننا نعاملهن دوما كبناتنا، سواء أكانت هذه الفتاة اما او اختا، قريبة او غريبة، ولا نشير الى اي منهن الا بلفظة (بنتنا) سواء كانت هذه المشار اليها اكبر في السن او القدر او اصغر من المتحدث عنها، وسواء أربطته بها معرفة او كان يراها او يتحدث عنها لأول مرة، فنساؤنا هن دوما شقائق الرجال، وشركاؤهم في الهم والوجع والمسؤولية، وحتى إنهن كن شركاء في الحرب والنزال.
من هذا الباب أكتب اليوم بعد ان وصلتني رسالة من احدى القارئات تشكو سوء اوضاع بناتنا العاملات في قطاع السياحة المحلية، وبالذات ما اصبح يعرف بـ(سياحة المقاولات)، اي تلك الشركات الكبيرة التي تسيّر عشرات الرحلات يوميا وتستأجر طائرات بأكملها وفنادق برمتها في مختلف اصقاع الارض جانية الارباح الطولى، التي لا يعرف العاملون منها الا السمعة.
ومشكلات بناتنا في هذا القطاع تبدأ منذ التعيين، حيث تتم مقابلة الفتاة على اساس العمل في وظيفة "ادارية" او في وظيفة تسويق مكتبية، ويتم الاتفاق على راتب ضئيل شرط الزيادة المجزية بعد التثبيت، اي بعد 3 اشهر من بدء العمل، لتفاجأ الواحدة منهن ان الوظيفة الادارية هذه لا تتعدى تحويلها الى عاملة مقسم او موظفة خدمات زبائن تتلقى الطلبات والحجوزات والى جانبها تتلقى الشتائم واللوم وأفظع الصفات مقابل كل مرة تخطئ فيها الشركة بحق زبون او زبائن، وهي كثيرة. وتكتشف موظفة التسويق المكتبي ان وظيفتها هي الاخرى اما ان تتحول الى عاملة مقسم ايضا، او ان تحمل حقيبتها الملآى بالمنشورات والمطبوعات الترويجية وتدور الشوارع بحثا عن زبون!!
ولا يتوقف الامر عند هذا الحد ابدا، فمن تحتمل منهن هذه الشروط لحاجة او أمل بالتحسن اللاحق الذي تغري به وعود الادارة التي لا تنقطع، تفاجأ اول الامر ان الزيادة بعد الشهر الثالث هي محض خيال، وان التثبيت غير وارد في الحسبان لان العقد الذي وقعته مع الشركة يعطي للشركة الحق بانهاء خدماتها في اي لحظة تشاء، بل والأنكى ان بناتنا يفاجأن بأن زملاءهن من الذكور حتى وان كانوا اقل خبرة ومؤهلات علمية وعملية يتقاضون اكثر منهن، وما يزيد الطين بلة انه كلما انخفضت اعداد الزبائن، او (نام الموسم)، او تأثرت اعمال الشركة بسبب سوء سمعتها و(عمايلها السودة) بالزبائن التي لا تقل عن التلاعب في شروط العروض، وقد تصل الى حدود حجزهم لساعات طويلة جدا في طائرات مهترئة ومطارات معزولة بسبب عطل فني اهملوا اصلاحه او لأن الشركة لم تسدد ما عليها لمالك الطائرة او ادارة المطار، كلما انخفضت اعداد الزبائن لاحد هذه الاسباب او غيرها الكثير، تجد الادارة تلجأ الى خصم رواتب الموظفين بمبالغ تصل الى اجور اسبوع دفعة واحدة!! اي 25 بالمئة من الراتب، رغم ان القانون لا يسمح في اقصى حالاته بالخصم على الموظف المذنب اكثر من 10 بالمئة، والخُلق والعرف والسنة الشريفة تقول: (آت الاجير اجره قبل ان يجف عرقه)، لا ان تقتل الاجير لتعوض خسارتك، وان تأكل عليه عمل سبعة ايام بكاملها هي رُبع رزقه وقوته وقوت عياله، دون ذنب، او حتى لذنب قد لا يعادل في واقع الحال عقوبة التنبيه او التأنيب، لكن الطمع والجشع وحتى (ضيق العين والنفس) يدفع مثل هؤلاء لمثل هذا، مستغلين حاجة العامل وقلة فرص العمل.
وبمناسبة الحديث عن ايام العمل لا ننسى واقع ان معظم هذه الشركات تجبر موظفيها وبالذات الموظفات على العمل ما لا يقل عن 10 ساعات يوميا (دون مجرد التفكير ببدل العمل الاضافي طبعا)، تتخللها ساعة استراحة صورية، بمعنى ان هذه الاستراحة قد تنقص حسب مزاج الادارة وقد تختفي ليوم او ايام، هذا عدا عن اجبار العاملات على مغادرة مكاتبهن او بالاحرى طاولاتهن، التي ترص كل 10 او 15 طاولة منها في غرف صغيرة سيئة التهوية ، نقول يجبرن على مغادرتها في وقت الاستراحة دون توفير اي مكان مناسب او حتى غير مناسب داخل هذه الشركات -التي تجني الملايين- لقضاء هذه الساعة او اقل، ما يجبر الكثير منهن على الجلوس في الشوارع او الحدائق العامة في مختلف الاحوال الجوية، او حتى اللجوء الى المساجد في بعض الاحيان، هذا ان كان في المنطقة مسجد قريب يفتح ابوابه بشكل مستمر.
وطبعا اذا ارادت احداهن ترك العمل فلها الويل والثبور وضياع الاجور، بل وربما طالبتها الشركة بالعوض، في مقابل الشباب الذين يستوفي احدهم كل ما له وزيادة لان الادارة العتية تخشى المشاكل والشجار، لكنها لا تخشى الله في هضم حقوق بناتنا العاملات لديها، واللواتي كمثل كل الاردنيات يرفضن الخوض في المشاكل والتسبب بالفضائح.
هذه كانت بعض النقاط الرئيسية من رسالة (بنتنا) التي تشكو عبرها همها بحرقة راجية ايصال صوتها وأصوات زميلاتها الى اي اذن صاغية ان بقي في هذا الوطن من يصغي الى هموم ابنائه، ولولا الاطالة لقلت وقلت وقلت مما جاء في تلك الرسالة، راجيا من الله وممن لا تزال في قلبه رحمة وعدالة من المسؤولين الاسراع في الوقوف على واقع هذه المؤسسات والعاملات والعاملين بها، للحفاظ على كرامة بناتنا، وحتى لا يدفع الفقر والقهر ولو واحدة منهن لامر لا يحبه اي منا لابنته او أمه او أخته...... والله من وراء القصد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية