تتغير المعارضة وتتلون وتتبدل وفقاً للمصالح الضيقة لكن الثورة ثابتة، بهذه الكلمات بدأت الطالبة الجامعية المغربية "آمنة علاوي" كلامها لـ"زمان الوصل"، إذ إنّها تتابع أحداث الثورة السورية عن كثب، تارةً ترى الثائرين محبطين وتارةً يملكهم التفاؤل بحسب الظروف التي يعيشونها والأحداث السلبية المتتابعة التي تعصف بهم منذ سنوات، لكنها تلمس آمالهم المتجددة بتحقيق أهدافهم، كونهم يصفون الثورة بالفكرة ويعملون لأجلها أفراداً والفكرة لا تموت، أمّا المعارضة فتراها كيانات وهمية هلامية لا تتناسب أنشطتها مع حجم معاناة الثائرين.
وتختم، إن كانت الثورة الفرنسية أم الثورات الأوروبية، فالثورة السورية بتضحياتها وبالرغم من التجاذبات الإقليمية والدولية التي أُقحمت بها ستبقى بسلبياتها وإيجابياتها مدرسةً لثورات الأحرار حول العالم.
دخلت الثورة السورية عاماً جديداً، كانت امتدادا طبيعيا لثورات العالم العربي لا سيما مع توفر الكثير من الدوافع في ظل نظام قمعي دكتاتوري حكم أبناءها لأكثر من 40 سنةً.
رفع الثائرون في آذار مارس/2011 الورود أثناء حراكهم السلمي المطالب بالحرية والعدالة في ظنٍ منهم بأنّ قوات الجيش والأمن ستكون إلى جانبهم، لكن الأخيرة أبت إلّا أن تكون في طرف الجلاد، فأطلقت الرصاص على الصدور العارية بلا مبالاة.
سرعان ما فرضت التحولات ذاتها، دفعت الإجراءات الأمنية المتمثلة بالمداهمات وحملات اعتقالات المدنيين وتوسيع نطاق القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، ودفع الثائرين لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم وفقاً لحقهم المشروع بذلك، كما حدثت العديد من الانشقاقات العسكرية بشكلٍ فردي، وشُكلت التنسيقيات المدنية ومجالس قيادات الثورة والكتاىب الثورية المسلحة، وبات صوت الرصاص والمدافع أقوى من صرخات الجميع.
بعد شوقٍ كبيرٍ للعمل السياسي تعالت صرخات المعارضين السوريين حول العالم، تأسس المجلس الوطني السوري في تشرين الأول أكتوبر/2012، تلاه تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تشرين الثاني نوفمبر/2012 ليكون جامعاً ما بين الثائرين ومنصات معارضة مختلفة، وفي آذار مارس/2013 تم تأسيس الحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية.
في السنة الثانية رفع الثائرون لواءهم على حوالي 85% من الأراضي السورية في هزيمة واضحة تلقاها نظام الأسد وحزب الله اللبناني، وفي العام 2013 تكررت هزيمته مع "فيلق القدس" و"الحرس الثوري الإيراني" والميلشيات الطائفية العابرة للحدود، واستمر تهاوي المناطق المحتلة من قبل نظام الأسد إلى أن تدخلت روسيا بكل قواها العسكرية في العام 2015 تزامناً مع انتشار التنظيمات الجهادية والانفصالية التي باتت ورقةً رابحةً تُستخدم ضد الثائرين، إضافةً إلى الخطوط الحمراء الوهمية التي أعلنتها القوى الدولية والتي انتهكها نظام الأسد عبر استخدام الأسلحة المحرمة دولياً لمرات عديدة.
حوصرت الكثير من المناطق الثائرة، انتهج النظام سياسة التجويع لتحقيق مكاسب سياسية، وكانت الفاتورة بنحو مليون ضحية مدنية ومئات آلاف المدنيين المعتقلين الأبرياء، وملايين اللاجئين ومثلهم من المهجرين والنازحين القاطنين في الخيام والعراء على الحدود، وبنطاق أوسع تدهورت الليرة السورية أكثر من 20 ضعفاً، وأصبحت نسبة الفقر بين السوريين بنحو 83% وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الأخير.
زُجّت الثورة في أتون التجاذبات الدولية والإقليمية، كُلفت السعودية بتشكيل جسم تفاوضي عن المعارضة وفقاً لمخرجات مؤتمر فيينا في تشرين أكتوبر/ 2015، سُمي "الرياض 1" وأصبح فيما بعد رياضات، وفي تشرين الأول أكتوبر/2017 أُستدرجت المعارضة إلى مؤتمر أستانة الأول الذي وصل إلى النسخة 13 على حساب القرار الأممي 2254 عام 2015 القاضي ببدء محادثات السلام مطلع العام 2016، وصولاً إلى تشكيل اللجنة الدستورية تزامناً مع استمرار روسيا وإيران قضم مساحات واسعة من الأراضي المتبقية خارج سطوة نظام الأسد في ادلب وريف حلب الجنوبي الغربي، في حين بقيت مناطق "درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام" آمنةً نسبياً على المدى المنظور.
أمام التفاصيل اكتسب نظام الأسد انتعاشاً لا بأس به، خقت صوت الثائرين، أصبحت المعارضة معارضات، والحزب أحزابا، عمّت الفوضى، يقف الجميع عاجزاً عن تقديم الحلول والعون، أصبحت الانتقادات السلبية المحلية اللامتناهية تعبيراً عن حالة العجز المفروضة.
لكن هناك من يقول، انتصرت الثورة وفشلت المعارضة، إذ إنّه ليس من مهمة الثائرين تقديم نموذج حكم مثالي لا سيما وأنّ اللاعبين الفاعلين في الجغرافيا السورية ليسوا بأقلاء، ويتساءل أحدهم، ماذا لو انتظرنا المعارضين السوريين لإطلاق ثورة؟.
عن انتصار الثورة قال الصحفي السوري "أحمد مظهر سعدو" لـ"زمان الوصل"، لم تفشل الثورة، ما زالت مصرة متتابعة بمزيد من التضحيات منذ تسع سنواتٍ خلت، والشعب السوري قدم الكثير وتحمل ما لا يمكن أن تتحمله الجبال والأمم، لكن وبكل أسف فقد كانت المعارضة بكل طيفها الواسع عسكرياً وسياسياً أعجز من أن تواكب حركة الناس وقدرتها على التصدي، أخطأت المعارضة ومازالت تتابع أخطاءها، هفوةً وخطأً إثر آخر، ولم ترد أن تتوقف لحظةً لتراجع نفسها وتفعل ما يفعله القادة عادةً عندما يخسرون معركة، يستقيلون أو يتحملون المسؤولية، ليحاسَبوا شعبياً، وليكون هناك البدائل، وشعبنا السوري يعج فيها.
ويُضيف "فشلت المعارضة، هي نفسها من يتحمل المسؤولية عما وصلت إليه الأمور عندما وضعت كل بيضها في سلة الخارج، ولم تترك من مكان لقوى الثورة الحقيقيين، بل دأبت على الركض والهرولة وراء مصالحها الذاتية البراغماتية، ضاربةً عرض الحائط كل تضحيات شعبنا العظيم الذي خرج يدافع عن سوريا العظيمة، بكل ما أوتي من إمكانيات وصبر".
وحول المستقبل قال "مظهر" إن المطلوب من هذه المعارضة الوقوف وقفة صادقة مع النفس والشعب وأمام الله لتعترف بأخطائها وتؤسس لحالة من العمل الوطني أصدق وأرحب وأقرب للناس البسطاء الذين يضحون بفلذات أكبادهم، وبالغالي والنفيس من أجل الوطن السوري المسروق من آل الأسد ومن معه من محتلين إيرانيين وروس وميليشيات طائفية.
الصحفي السوري "صخر ادريس" يتفق مع زميله "مظهر"، إذ يملك دلائل كثيرة لانتصار الثورة لا سيما وأنها أنهت ظاهرة تقديس الأسماء وكسرت بعض الأعراف الاجتماعية السلبية السائدة كعدم انتقاد رجال السياسة والايديولوجيات وبعض رجال الدين الذين حرفوا الثورة عن مسارها، وهذا الأمر انتقل أيضاً إلى شريحة واسعة تقطن في المناطق التي يحتلها نظام الأسد، ويغفل السوريون عن انتصار الثورة المبكر جراء الظروف التي يعيشونها في الخيام بالداخل السوري وفي دول المهجر، فالحقيقة الثابتة المؤكدة أنّ سوريا وبالرغم من العثرات التي تصيبها لن تعود كما كانت لعقودٍ ماضية مزرعةً لآل الأسد أو مزرعة العائلة الواحدة.
وعن المعارضة، يبحث "إدريس" عن مصطلح يعبر أكثر من "فشلت" لأن الفشل عادةً دليل على المحاولة، وهذا لم يتم كونها منذ البداية كانت مرتهنة وفاشلة، حيث احتوت شخصيات مرتهنة بشكلٍ كاملٍ تدعي تمثيل الثائرين زوراً وتتصدر المشهد في محاولة منها باستكمال مشروع سرقة الثورة من أبنائها.
وإلى فلسطين، حيث يرى المحامي "أيمن فهمي أبو هاشم" بأنّ الوضعية الخاصة للثورة السورية تستحضر بوجهٍ ما تلك المفارقة في تجربة الثورة الفلسطينية، والتي تكشف البون الشاسع بين غزارة التضحيات الفلسطينية خلال محطات الكفاح الفلسطيني الطويلة وبؤس المحصلات السياسية نتيجة أزمة القوى والفصائل التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني.
ويعتبر "أبو هاشم" أن نقاط النجاح والانتصارات في الثورة السورية كثيرة ومتعددة ولكن سوء أداء المعارضة كان من أهم العوامل الذاتية في الحصاد المر أيضاً، إذ ثمة صعوبة بالفصل بين الثورة في تجلياتها الفكرية والمجتمعية والتضحوية والمعارضة المتجسدة في سلوكيات سياسية وتفاوضية لها ارتباط مباشر بواقع الثورة ومآلاتها المستقبلية.
ويُكمل المحامي "أيمن"، كان يمكن أن يكون تأثير المعارضة أقل خطورة على الثورة لو تم بناء بدائل عن أطر المعارضة التمثيلية وتمتلك مشروعاً وطنياً يطابق فكرة الثورة ومضامينها التحررية الكبرى، لكن حتى الأن هناك فشل متراكم في ولادة ذاك البديل وهنا يكمن مأزق الثورة السورية، لكن هذه الحقيقة ليس بوسعها بالمقابل أن تحجب الممكنات التاريخية التي صنعتها الثورة السورية منذ صرختها الأولى حتى يومنا هذا، فنحن أمام تغييرات بنيوية في المشهد السوري طالت نظرة السوري لنفسه وللآخر وأيقظت في الوعي الجمعي السوري طاقات كبيرة أكدت على حيوية هذا الشعب وقوة شكيمته في مواجهة الاستبداد وكسر عصا الطاعة بكل شجاعة وعنفوان.
أمّا الإعلامي "عبد السلام الدمشقي" مدير "شبكة مراسلي ريف دمشق" أوجز رأيه قائلاً "كُسر حاجز الخوف، واجه الشعب الأعزل سلطات الأسد الأمنية القمعية المدججة بالسلاح الذي من المفترض أن يُستخدم لتحرير الجولان المحتل، وهذا بذاته نتيجة، وكم تمنى متألماً أن يكون نصيب الثائرين معارضة تحترم نفسها، لا تسرق موارد الثورة، وتحرم أبناءها من مقومات الصمود في مناطقهم".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية