بإمكانك أن تحب جميل السيد أم لا. وأن تكون من مؤيديه أو من منتقديه، ولكنك في كل الأحوال لا يسعك سوى الإصغاء إليه.
وأن تصغي جيداً حتى تدرك أبعاد الرسائل الذي يهدف إلى تمريرها عبر كلامه. يشدك الاستماع إليه ليس فقط بسبب غرابة وفجاجة كلامه، وبسبب خروجه عن مألوف اللغة السياسية المستعملة في التخاطب السياسي، ولكن أيضاً نسبة لارتباطات السيد السورية والتي لم يتأخر يوماً عن الاعتراف بها على العلن.
تطرق اللواء السيد فيما تطرق إليه إلى أزمة المراوحة والتعطيل والتي تعيق تشكيل الحكومة. وتوجه إلى فريق 8 آذار أو المعارضة بالإنتقاد على إصرارها على رغبة المشاركة في الحكومة المقبلة.
وأشار إلى أن هذه المشاركة ليست ضرورية مبدئياً، خاصة وأن أطراف هذا الفريق لم يتوقفوا يوماً عن توجيه سهام الانتقاد لفريق السلطة المتمثل بفريق الأكثرية، واستمروا طيلة عهد هذه الحكومة على نهج مهاجمة وزراء هذا الفريق، حيث كان الأجدر والأنفع للبلاد والعباد، أن يسعى الجميع لتخطي الخلافات والمصالح الطائفية والفئوية، لإنتاج فريق واحد موحد فاعل منتج، ساعي لخدمة مصالح الوطن والمواطن، وأن لا يكون تمترس مختلف الأطياف داخل الحكومة، لهدف واحد فقط هو تناتش الفرص والامتيازات والهجوم المتبادل. هو كلام من دون شك في محله، لأنه في الواقع وبالرغم من هذه الأوضاع المذرية داخل الحكومة حالياً، وبالرغم من تواجد فريق 8 آذار ضمن فريق حكومي تكلل تاريخه بالتعطيل والمراوحة والفشل، تراه يسعى للضغط باتجاه إنتاج حكومة عليلة بالسوسة والأمراض ذاتها.
وكل عاقل إن كان اسمه جميل السيد أو سواه، لا بد له من رؤية وإدراك هذا الخلل، الناتج عن التعطيل المتعمد لتشكيل الحكومة من قبل فريق يستقتل تحت عنوان التمثيل الطوائفي الصحيح، لاقتطاع حصة الأسد في الحكومة العتيدة، وبوزارات وأسماء محددة، في وقت ما زالت الأوضاع في البلاد تشهد حالاً من التردي والتقهقر على مختلف الصعد، وفي شتى القطاعات، بالرغم من الضجيج القائم حول نجاح موسم السياحة والاصطياف.
ولكن وبغض النظر عن هذه النظرة المبدئية للاوضاع السائدة حالياً على الساحة اللبنانية، لا بد من الاشارة إلى أن اللواء السيد كان من أقرب المقربين من تجمع 8 آذار، والغرابة تكمن في موقفه اليوم تجاههم!..هذا مع العلم أن هذا التجمع كان قد أقام له مهرجانات الاستقبال والحفاوة عند خروجه من سجون الاعتقال، وهو بالمقابل لم يتأخر عن استعداده لتقديم ورقة رجوع المحكمة الدولية عن قرار اعتقاله، حتى يصار إلى استغلالها كورقة رابحة وداعمة لحملة 8آذار في الانتخابات البرلمانية الماضية.
قد يكون كلام جميل السيد غريباً ومستهجناً من ناحية اللهجة الغير مألوفة في التعاطي السياسي، ولكن انتقاده لمسار فريق 8 آذار، يبقى الأغرب، وهو من دون شك مثير للريبة، وتحوم حول دوافعه وخفاياه أكثر من علامة استفهام، وذلك نسبة لارتباط اللواء السيد السابق والدائم بالمحور السوري، والذي من المفترض أن يكون داعماً ومسانداً لفريق 8 آذار في طموحاته التوزيرية، لا منتقداً لها. فهل يفهم من كلام السيد اليوم أن الجانب السوري عدل موقفه حيال تجمع 8 آذار، وعلى وجه الخصوص حيال فريق معين منه، يضم حزب الله والعماد عون وزعيم الكانتون الدرزي وليد جنبلاط؟ أم هو اعتراف مبدأي من قبل السوريين بالاوضاع المستجدة نتيجة الانتخابات النيابية، وبحق الأكثرية الطبيعي بتشكيل السلطة التنفيذية؟
هي أسئلة سوف يكشف أجوبة لها المستقبل القريب. يبقى أن الأمر الذي بدأت تنجلي أطره حالياً عبر تراكم تصريحات المقربين من الجانب السوري،هو أن السوريين كما باتوا يعتبرون أن فريق 14 آذار قد انقسم على ذاته بالابتعاد النسبي لحزب الكتائب ووليد جنبلاط عنه، هم بصدد التسويق حالياً لمواقف ابتعادهم عن فريق معين داخل تجمع 8 آذار، والذي أصبح هو الآخر بنظرهم فريقين.
وشهد شاهد من أهله.... مهى عون
كاتبة سياسية لبنانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية