هي جارتي! .. عمر حكمت الخولي

 

 

 


1-

هِيَ حُلْوَةٌ كَالصُّبْحِ

كَالْوَرْدِ الْمُنَمَّقِ في صَفَائِحِ شُرْفَتِي

كَبَرِيْقِ يَاقُوْتٍ بَرِيْءٍ

كَاللُّجَينْ

قَامَتْ لِتَغْسِلَ وَجْهَهَا حِيْنَ الشُّرُوْقِ

تُعِدُّ قَهْوَتَهَا، تُطَالِعُ قِصَّةً رُوْسِيَّةً

عَنْ عَاشِقٍ في الْحَرْبِ صَادَفَ حُبَّهُ

"كَضِيَاءِ نَجْمٍ في الْبَعِيْدِ!"

وَكَاحْتِرَاقِ الْيَاسَمِينْ!

مُذْيَاعُهَا يَرْتَاحُ فَوْقَ مَدِيْنَةٍ مُلِئَتْ بِأَلْحَانِ الْهَوَى

قَدْ زَغْرَدَتْ مَعَهُ

فَهَاجَرَ مِنْ بِلادِي كُلُّ مَتْبُوْلٍ حَزِينْ

وَالآنَ تَجْلِسُ.. لَيْتَهَا جَلَسَتْ عَلَى كَتِفِ الْخَيَالِ

وَلَيْتَهَا

قَالَتْ: "صَبَاحَ الْخَيْرِ" يَوْمَاً لِلْجِبَالِ

وَلَيْتَهَا مَرَّتْ أَمَامِي لَحْظَةً

كَيْ أَسْرِقَ الشِّعْرَ الْعَظِيْمَ جَمِيْعَهُ

كَيْ أُحْرِقَ الذِّكْرَى بِحُبٍّ لا يُطَالْ

جَلَسَتْ تُمَشِّطُ شَعْرَهَا

وَكَأَنَّ هَذَا اللَّيْلَ يُوْشِكُ أَنْ يَغِيْبَ، كَأَنَّهَا

مَدَّتْ جُسُوْرَاً بَيْنَ إِشْعَاعِ السَّمَاءِ وَبَيْنَ خُلْوَةِ لَيْلِهَا

فَتَمَرَّدَ اللِّيْمَارُ في وِجْنَاتِهَا

وَتَسَاقَطَتْ سُحُبُ الظِّلالْ

تِلْكَ الْجَمِيْلَةُ أَسْقَطَتْ - بِصَبَاحِهَا الْمُعْتَادِ هَذَا - عَالَمَاً

لا فَرْقَ فِيْهِ إِذَا تَوَالَى الْمُسْتَحِيْلُ عَلَى مَدَارَاتِ الْفَضَاءِ..

وَحَطَّمَتْ وَجْهَ الرَّحِيْلِ، وَأَنْقَذَتْ قَدَرَ الْخَيَالْ

هِيَ حُلْوَةٌ

رُبِطَتْ بِأَجْنِحَةِ السَّرَابِ أَوِ الْمُحَالْ!

 

2-

رَاقَبْتُهَا في كُلِّ يَوْمٍ سَاعَةً

هِيَ جَارَتِي

وَالشُّرْفَةُ الْبَيْضَاءُ تَحْضُنُ شُرْفَتِي

وَزُهُوْرُهَا تَجْتَاحُ نَافِذَتِي الأَسِيْرَةَ غَالِبَاً

حِيْنَ اخْتِنَاقْ

تَنْسَلُّ بَيْنَ قَصَائِدِي حِيْنَاً

وَحِيْنَاً تَلْعَنُ الذِّكْرَى عَلَى قَدَمٍ وَسَاقْ

وَالْيَوْمَ قَدْ تَرَكَتْ زُهُوْرَ النَّرْجِسِ الْبَرِّيِّ قُرْبَ صَحِيْفَتِي:

"شُكْرَاً، خُذِيْنِي لَحْظَةً في الْعُمْرِ حَتَّى أُنْقِذَ الأَشْعَارَ مِنْ سِجْنِ النِّفَاقْ"!

وَأَظَنُّنِي سَأُحِبُّهَا.. هِيَ حُلْوَةٌ

وَالْكُلُّ في حَيِّي يُرَاقِبُ حُسْنَها دُوْنَ انْعِتَاقْ

وَالْيَوْمَ قَدْ بَدَأَتْ مَلاحِمُ قِصَّةٍ

أَوْ شُرْفَتَيْنِ!

وَسُطِّرتَْ صَفَحَاتُ شَوْقٍ وَاحْتِرَاقْ!

 

3-

رَنَّ الْمُنَبِّهُ قُرْبِيَ، ارْتَدَّتْ عُيُوْنِي نَحْوَ شُرْفَتِهَا

صَحَوْتُ لأَشْكُرَ الشَّمْسَ الَّتِي جَمَعَتْ هَوَانَا تَحْتَهَا

حَضَّرْتُ فُنْجَانِيْ، حَمَلْتُ صَحِيْفَتِي

وَخَرَجْتُ نَحْوَ حَبِيْبَتِي

حَتَّى أُقَاسِمَهَا الْعِنَاقْ

ذَا وَقْتُهَا

سَتَدَقُّ نَافِذَتِيْ، سَأَفْتَحُ بَاسِمَاً

يَجْتَاحُنِي فَرَحِي، وَأُغْنِيَةٌ تُرَاقْ

وَسَأَقْرَأُ الشِّعْرَ الَّذِي سَطَّرْتُهُ قُبَلاً..

فَلَمْ تَظْهَرْ!

سَأَلْتُ النَّاسَ، شُرْفَتَهَا

سَأَلْتُ اللَّيْلَ حَتَّى مَلَّ مِنْ أَرَقِي، فَضَاقْ

ذَاكَ الصَّبَاحُ أَمَاتَنِي بِخَيَالِهِ

فَأَضَعْتُ نَفْسِيَ حاَلِمَاً

وَنَسَيْتُ أَنِّي قَدْ سَكَنْتُكَ يَا (عِرَاقْ)!

 

 

3 كانون الثَّاني 2009م


 

شاعر سوري
(103)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي