إيران وسوريا التي لا تقبل القسمة على اثنين

أحد جدران بنش رسم لأنيس حمدون - جيتي

النفوذ الإيراني في سوريا، إلى أين؟ هو السؤال الأبرز الذي بات العديد من متابعي الشأن السوري يطرحونه، بعد استعادة النظام للسيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وبمساعدة روسية، تخللها تجميد للنشاط الميليشيوي الإيراني في سوريا على مدى خمس سنوات ماضية.

واقعياً، لا يغيب على أحد أن روسيا باتت المتحكم الفعلي في المشهد السوري، على الأقل من جهة النظام، وهو ما أثبتته الزيارات المتكررة للرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" وما رافقها من صور أثبتت تبعية النظام للإدارة الروسية، ما يعني أن البحث في تفصيل الوجود الإيراني لا بد أن يمر عبر البحث في طبيعة العلاقات بين طهران الراديكالية وموسكو الشيوعية، التي يمكن تصنيفها تحت عنوان "العداء التاريخي" الممتد لقرون، بدءاً من الحرب التي تمكنت فيها روسيا من ضم العديد من الأراضي التي تعتبرها إيران جزءاً منها في آسيا الوسطى، مروراً بنظام الشاه السابق، حليف الولايات المتحدة، وصولاً إلى النظام القائم حالياً والمرتكز على أسس دينية متشددة تتعارض مع السياسات الروسية.

صحيح أن المصلحة المشتركة باستمرارية نظام "بشار الأسد"، قد جمعت بين أعداء الأمس، لمرحلة تاريخية معينة، تحت بند العداء للثورة، إلا أنه في طبيعة الحال لن ينجح في أن ينسى الروس دور "إيران الخمينية" في الحد من قوة الاتحاد السوفياتي، خاصةً وأن الدعم الأمريكي والغربي لفكرة قيام دولة دينية في إيران 1979، جاء من رغبتها في أن تكون حائط سد أمام الطموح الشيوعي في الشرق الأوسط وآسيا، لا سيما وأن تلك الفترة شهدت اعتماد إدارة الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر"، على الحركات الراديكالية والمتطرفة لمواجهة طموحات الاتحاد السوفياتي، مثل حركة طالبان والقاعدة.

الحقيقة السابقة، قد تفسر إلى حد كبير حالة ظهور تيارين في نظام "بشار الأسد"، الأول يمثله كبار الضباط العلويين، من أمثال "سهيل الحسن"، وهو المدعوم روسياً، والآخر يمثله عدد من الضباط الشيعة والمنتمين إلى بعض الأقليات الأخرى، من أمثال اللواء "رستم غزالة"، والعميد "عصام زهر الدين"، وهو التيار المدعوم إيرانياً، كما يفسر حالة الصراع بين التيارين، والذي يبدو أنه انتهى لصالح الروس، بعد مقتل العديد من الضباط الموالين لإيران خلال السنوات الماضية، بعمليات غامضة، لا تخلو من فرضية الاغتيالات، كما كان الحال بالنسبة "لغزالة" و"زهر الدين"، وإقصاء آخرين من مناصبهم.

قد لا يكون من المبالغة هنا، القول بأن سوريا وبشكلٍ من الأشكال، كانت تشهد بالتزامن مع الحرب على الثورة، حرب نفوذ بين الروس والإيرانيين، والتي يبدو أن طهران بدأت فعلياً تستشعر بهزيمتها فيها، الأمر الذي دفعها إلى التوجه نحو ما يمكن تسميته بـ "الحرب الناعمة"، عبر محاولات تعميق عمليات الغزو الثقافي، من خلال اتفاقيات تعديل المناهج وتدريس اللغة الفارسية في المدارس، إلى جانب تصاعد حملات التشييع، من خلال الدعم المالي الذي تقدمه الحوزات الدينية الإيرانية، بالإضافة إلى افتتاح 10 مدارس ثانوية تدرس المذهب الشيعي تابعة لوزارة الأوقاف السورية، ومعترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم في دمشق وحلب واللاذقية وإدلب ودير الزور.

أما العامل الثاني في تحديد مصير الميليشيات الإيرانية، في سوريا، يرتبط برفض المجتمع العلوي، الحاضن للنظام وخزانه البشري، لطبيعة الحياة التي يفرضها النظام الإيراني في مناطق نفوذه، والقائمة على أسس دينية متشددة تمنع المشروبات الروحية والاحتفالات والكرنفالات، والمقاهي والاختلاط، كما أنها تفرض لباسا من نوع خاص على النساء لا يلائم التفكير العلوي، الذي يبدو أكثر قرباً وتقبلاً للتفكير الشيوعي الروسي، بشكل يدفع للتأكيد بأن العلويين سيفضلون الانصياع للنفوذ الروسي أكثر من إيران، خاصة بعد ما رأوه من فرض سياسات الثورة الإيرانية المتشددة في اليمن والعراق.

يبقى العامل الثالث الذي يشير إلى أن سوريا المستقبلية ستكون خالية من التواجد الإيراني العسكري على أقل تقدير، مرتبط بتوجهات الإدارة الأمريكية الحالية، لحصر النفوذ الإيراني في بعضٍ من مناطق الشرق الأوسط وعلى رأسها سوريا، وهو ما بدا واضحاً من خلال عملية اغتيال الجنرال "قاسم سليماني"، مهندس الانتشار العسكري الإيراني في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي تفرضه الضغوط الإسرائيلية على إدارة الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، الساعية لمنع أي تواجد للإيرانيين على الأراضي السورية، خاصةً مع المعلومات التي أصدرتها المخابرات الإسرائيلية عن إدارة الحرس الثوري الإيراني لبرنامج تطوير طائرات مسيرة في دمشق، إلى جانب إنشائها قواعد عسكرية في منطقة القلمون الشرقي، طبعاً دون تجاهل الشرط الإسرائيلي الذي منح الضوء الأخضر للروس في سوريا مقابل منع قيام قوة إيرانية فيها شبيهة بميليشيات حزب الله والغارات الأمريكية والإسرائيلية المتكررة على قواعد الميليشيات الإيرانية في سوريا.

خلاصة القول، فإن المشروع الإيراني، قد يكون واحدا من أكبر الخاسرين في سوريا، على الرغم من استعادة سطوة الأسد على أجزاء كبيرة من البلاد، خاصةً مع فشل طهران في تكوين ميليشيات مسلحة على شاكلة حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية، لا سيما وأن النفوذ الإيراني في جميع الدول العربية قائم على النشاط الميليشياوي والحكومات العميقة وحكومات الظل. وعلى الرغم من مساحة الغزو الثقافي الذي تمنحه موسكو والنظام لإيران، إلا أن طهران لا يمكنها الرهان على مشاريع التشيع في سوريا، وذلك مبعثه يكمن في نقطتين، الأولى انخفاض نسبة الشيعة الإثنى عشرية في سوريا إلى 0.04 في المئة، حسب الإحصاء الرسمي، والثانية تكمن في عدم قدرة حملات التشييع على استقطاب أعداد عالية من السوريين، فمع كل النشاط الواسع الذي بذلته إيران للتشييع في جنوب سوريا، إلا أن عدد المتشيعين هناك لم يتجاوز 7500 حتى نهاية عام 2019، بحسب مركز "حرمون للدراسات المعاصرة".

حسام يوسف -زمان الوصل
(233)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي