الصحيفة الفرنسية "جورنال دودي مانش" نشرت تحقيقا تتبعت فيه آخر ما توصلت له قضايا المحامي السوري "أنور البني" المركز السوري للدراسات والبحوث القانونية في منطقة "ميتي" ببرلين، الذي يسعى في الوقت الراهن لمتابعة جلادي الشعب السوري والذين ارتكبوا جرائم تعتبر ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي.
تلتقي الصحيفة بأنور البني وهو معارض لنظام دمشق منذ 60 عاما، لتسأله عن بداية تحركه، ويجيب البني بأنه تلقى رسالة في صندوقه البريدي المشفر عن معلومات لرجل من مليشيات لجان الدفاع الشعبية، وهو مسؤول التحقيقات داخل هذه المليشيات، حيث تم اتهامه من قبل بعض السوريين بأنه شوهد في اليونان، يؤكد "البني" أن مثل هذه الرسائل باتت تصل بالعشرات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي والواتساب.
فالميليشيات التي تحدث عنها المحامي هي جماعات شبه عسكرية مسلحة وتتلقى معاشاتها من قبل النظام السوري، وهي مخولة بالنهب والتعذيب والاعتقال من دون مذكرة اعتقال، وبدون توجيه تهمة، بما يرقى إلى عمليات اختطاف، وقد رد المحامي "أنور البني" على رسالة وصلته ونحن معه، من لاجئ سوري يعيش في بلجيكا، حيث أخبره أن خمسة من ضحايا الميليشيات، يعيشون الآن في أوروبا، ثلاثة في ألمانيا وواحدة في هولندا وواحدة في فرنسا قالت إنها تعرضت للتعذيب ومستعدة للإدلاء بشهادتها بوجه مكشوف"، وهي خطوة تثير إعجاب المحامي فمن النادر وفي كثير من الأحيان يريد الضحايا أن يبقوا مجهولين حتى لا يعرضوا أفراد أسرهم المتواجدين في سوريا للخطر.
جمع الشهادات وتعقب المشتبه بهم تعتبر عملية معقدة من على بعد آلاف الأميال من الحرب السورية، لكنها باتت الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يستخدمها المدافعون عن الحرية، في وقت يتعرض فيه السكان المدنيون للقصف، حيث مازال أكثر من 128 ألف شخص بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، محتجزين أو مفقودين، حيث اختار المحامون والنشطاء والضحايا الذين أُجبروا على الفرار من القمع، اختاروا العدالة والمحاكم لمقاضاة أعضاء النظام السوري في أوروبا المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي مواجهة شلل المحكمة الجنائية الدولية بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من قبل روسيا حليفة دمشق، لجأ الضحايا إلى المحاكم الوطنية لاسيما ألمانيا على وجه الخصوص، حيث أدمج القانون الألماني عام 2002 مبدأ الاختصاص العالمي، والذي يجعل من الممكن الشروع في إجراءات المتابعة القضائية ضد المتهمين بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم وجنسية مرتكبيها.
ويقول باتريك كروكر، المحامي في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان والذي يدافع عن مئات الضحايا السوريين إن وصول الكثير من السوريين إلى ألمانيا، وتراكم الأدلة والشهود بخصوص الجرائم المرتكبة في سوريا دفعت الادعاء الألماني لاتخاذ قرار التحقيق والبحث عن مرتكبيها.
لم يحدث من قبل أن تم توثيق الحرب مثل ما يحدث في الازمة السورية، حيث صور المدنيون، ووثقوا، قمع النظام السوري منذ بداية المظاهرات الأولى شهر مارس 2011 ، كما قاموا بجمع أدلة على ارتكاب جرائم حيث تخصصت المنظمات غير الحكومية مثل CIJA (اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة)، والمتواجدة في إحدى المدن الأوروبية بصفة سرية لأسباب أمنية، هذه المنظمة قامت بتهريب أكثر من مليون وثيقة رسمية إلى خارج سوريا، يحتوي غالبيتها أوامر اعتقال وتقارير داخلية والكثير من هذه الملفات يمكن أن تسهل إعادة بناء تدرج الأوامر من منفذي الانتهاكات وحتى آمريهم وصولا إلى قياداتهم.
تقول صحيفة "جورنال دو ديمانش" إن مكتب المدعي الفيدرالي الألماني فتح 14 تحقيقا استهدف 17 رجلاً استقروا في ألمانيا ويقدر المحامي السوري "أنور البني" عدد المجرمين الذين لجؤوا إلى أوروبا بالمئات بل يقترب عددهم من الألف في المجموع، بما في ذلك الجهاديون السابقون الذين قاموا بتجاوزات أيضا.
وتحاول الخلايا غير الرسمية للنشطاء السوريين كشفهم باستخدام مواقعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعة الذين ينشرون صور سيلفي مأخوذة في أوروبا وقد أنشأت إحدى هذه الخلايا مجموعة خاصة على موقع "Facebook" تجمع صوراً للجنود السابقين وأفراد الميليشيات، وغالبًا ما يكونون لابسين الزي العسكري، ويتصورون أمام جثث الضحايا أو أمام صورة بشار الأسد، كما حصل مع فتاة علقت على صورة أحدهم تتهمه بأنه من اعتقلها وعذبها، وكان تقدم بطلب للجوء بالقرب من العاصمة الألمانية برلين، ودعا أحد أعضاء المجموعة الى إعطاء المزيد من معلومات عنه فالرجل شارك في أعمال القتل والنهب في دمشق.
مع نشاط المجموعات الحقوقية في أوروبا على مدار عدة أشهر تم الكشف أيضا عن صور رجل في الخمسينيات من عمره في شمال سوريا، قاد مجموعة شبه عسكرية تابعة للنظام، علق له أحدهم: "إنه مجرم يجب إبلاغ الشرطة عنه"، هذه الصور والتفاصيل قادت "البني" للنجاح في إصدار مذكرة اعتقال ألمانية بحق اللواء "جميل الحسن"، وهو المسؤول الأول عن التعذيب في السجون السورية، قبل أن يقال العام الفائت، تختتم الصحيفة الأسبوعية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية