منذ أيام، سمعت نقاشاً "ميتافيزيفياً" بين أصدقاء حانقين على إيران والصين، لدعمهما نظام الأسد المجرم في سوريا، إذ ذهبا إلى أن "كورونا" انتقام "ربّاني" من جرائم الصين بحق المسلمين الإيغور، وجرائم إيران بحق المسلمين "السُنة" في سوريا.
لكن لم يتح لي في اليومين الأخيرين، أن أسمع رأيهما في تسرب هذا "الانتقام الربّاني" إلى بلدان المشرق العربي، سريعاً. ويمكن فهم ذلك الفشل المُريع في أداء السلطات الإيرانية المعنية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، كيف تنظر القيادة هناك، للمواطن الإيراني.
إذ لا مشكلة في موت بضع عشرات، بل ربما بضع مئات من الإيرانيين، في سبيل نجاح "كرنفالٍ" انتخابي مُصطنع، أراد به المرشد أن يقول لخصومه في الخارج، أن الإيرانيين صوتوا بالملايين للمتشددين، كنتيجة للضغوط الخارجية. لذا، انزعج علي خامنئي، من "كورونا"، هذا الوافد في وقتٍ غير مناسب، فأصدر، فيما يبدو، تعليماته للسلطات المعنية بالتعتيم على الجائحة، والتركيز على نجاح "الموسم الانتخابي النيابي"، الأمر الذي أودى بحياة العشرات، في "قم" وحدها، وفق تصريحاتٍ لنائب إيراني.
ورغم مساعي المرشد الحثيثة، فإن رسالة الشعب الإيراني كانت جليّة، حيث كانت نسبة التصويت هي الأدنى في تاريخ "الجمهورية الإسلامية".
فهذا الشعب القابع لعقود في قبضة نخبة تحكمها المصالح، فيما تحكم بلغة "الغيبيات"، قال قبل أيام، وبصريح العبارة، للمرشد، ورجاله، "لقد تعبنا".
ففيما أنفقت إيران 48 مليار دولار، لإنقاذ حليفها الأسد، وحده، ناهيك عما أنفقته على حزب الله والحوثيين، ورجالاتها في العراق، يزداد تدهور معيشة الفرد الإيراني، وتزداد وطأة الضغوط عليه، لتأتي "كورونا"، وتضيف ضغطاً جديداً. لكن، إن كان الحال في إيران، التي لا يعلو فيها صوت فوق صوت معركة المرشد مع الغرب، حتى لو كان "كورونا"، فكيف الحال في سوريا، التي يحرص حاكمها، على ألا يعلو صوت آخر على صوت معاركه وجبهاته العديدة لإعادة "تأهيل" الشعب السوري، كي يليق به!
وإن كان "كورونا" تسرب سريعاً إلى العراق، ولبنان، جراء التواصل اليومي بين البلدين، وبين إيران التي تحكمهما، عن بُعد.. فماذا عن الركن الثالث في "هلالها الشيعي"، الذي رفضت سلطاته حتى الآن، اتخاذ أي تدبير احترازي حيال احتمال تسرب "كورونا"، الذي ربما أصبح في الديار السورية، فعلاً، ويتم التعتيم عليه.
حتى ساعة كتابة هذه السطور، ما تزال المعطيات المتوافرة عن تسرب "كورونا" إلى سوريا، محض شائعات، ونرجوا أن يبقى الأمر كذلك. لكن هذه القضايا لا تُحل بالتمنيات، بل تتطلب تدابير احترازية.
هكذا تدابير بطبيعة الحال، قد تؤثر على جهود نظام الأسد في مواصلة معركة إدلب، التي يُعتبر العنصر "الإيراني"، أو المحسوب عليه، أحد أبرز الفاعلين فيها ميدانياً. فالطائرات التي تنقل مقاتلين وربما أسلحة، بصورة يومية، بين طهران ودمشق، من المحتمل بشدة أن يكون أحد الموجودين عليها، قد قام مؤخراً، بجولة "حج" أو اتبع "كورس لغسيل الدماغ"، في "قم"، بؤرة تفشي "كورونا" في إيران.
المرعب في الأمر، أن الذهنية التي تدير إيران، حيث تفشى "كورونا" بنسبة وفيات مقارنة بعدد المصابين، تفوق الصين، هي ذات الذهنية التي تدير نظام الأسد. حيث لا قيمة للفرد – الإنسان، مقابل مصالح الأقليّة الحاكمة، التي تختطف "الدولة" أو "الأمة"، وتتحدث باسمها، وتدعي العمل لصالحها. والمرعب أكثر، أن الشعب الإيراني، أكثر حيوية من السوريين، ولم يتعرض "بعد"، لمذبحة تشبه تلك التي تعرض لها السوريون.
وبخلافهم، فالإيرانيون خاضوا أكثر من ثورة ضد حكامهم في تاريخهم الحديث، الأمر الذي يجعل السلطات الإيرانية أكثر حرصاً على عدم تفشي الوباء خشية الغضبة الشعبية. أما في سوريا، فإن نظام الأسد، الذي تسبب بـ"كورونا" بشرية، راح ضحيتها مئات آلاف القتلى، وملايين المتضررين، والذي بات أنصاره يرقصون في جنازات أبنائهم القتلى على مذبح عرشه.. هكذا نظام، لن يعنيه كثيراً، تفشي وباء يقضي به المئات وربما الآلاف، ما دامت فئات واسعة من الخاضعين لسلطته، يظهرون له الولاء، بدرجة مقززة من النفاق.
فهل تسرب "كورونا" إلى سوريا؟ سؤال برسم مُحبي الأسد، خشيةً على من يعيش تحت سلطته، قسراً وقهراً.. قبل فوات الأوان. فحينما يتفشى هذا الوباء، فلن يفرّق بين "أسدي" وبين سوريّ مقهور، قادته الأقدار، ليعيش تحت حكم طاغية قلما ذكر التاريخ، مثيلاً له.
أما بخصوص "الانتقام الرباني"، فهو موجود منذ زمن، قبل فيروس "كورونا"، بقرون، ويتجلى في تلك الخصلة التي تجمع بين الإيرانيين والكثير من العرب، وكأنهم "إخوة بالرضاعة"، وإن كان العرب يتفوقون فيها على الإيرانيين أنفسهم. تلك الخصلة التي تجعل شعوب هذه المنطقة، تقبل بالهوان والذل أمام حكامها، وكأنها لعنة، بانتظار "الفرج" من عند الله، الذي قد يأتي في نهاية المطاف، على شكل "كورونا".
إياد الجعفري – زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية