أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"لماذا لا يسمعوننا".. اسكتش تمثيلي يختصر معاناة السوريين داخل "خزان الحرب"

تعكس رواية "كنفاني" صورة للإنسان الضائع في مخيمات اللجوء والتشرّد

في مكان هو أكثر من خيمة وأقل من بيت بريف إدلب يعيش الكاتب والمخرج السوري "رواد ابراهيم" مثل كثيرين غيره ضمن ظروف قاهرة بعد خروجه من المعتقل منذ عدة أشهر، وهناك صوّر عمله الفني الأول وهو اسكتش تمثيلي بعنوان "لماذا لا تسمعوننا" المقتبس عن رواية "رجال في الشمس" للكاتب الفلسطيني الراحل "غسان كنفاني" مسقطاً فكرة الرواية التراجيدية على الواقع الكارثي للمأساة السورية والشمال السوري بالذات.

وتعكس رواية "كنفاني" صورة للإنسان الضائع في مخيمات اللجوء والتشرّد، الذي يفقد هويته، ولا يعرف أين المفر والملجأ، وقبل أن يغادر (أبو الخيزران) يقول لجثث الرجال، التي ألقاها جانب مكب النفايات: لماذا لم تقرعوا الخزان، وهذا هو حال السوريين الذين يقرعون الخزان منذ تسع سنوات ولا أحد يسمعهم أو يخرجهم منه.

و"رواد ابراهيم" ناشط ثوري مجاز باللغة عربية كان بصدد التحضير للدراسات العليا في الأدب المقارن قبل أن تندلع الحرب، وعمل أثناءها في الصحافة الفلسطينية واللبنانية -كما يروي لـ"زمان الوصل" مضيفاً أنه كان ضمن الطلبة في قسم التمثيل أواسط الثمانينات في الفترة التي كان فيها الراحل الدكتور"فواز الساجر" قد عاد إلى دمشق، وهي الفترة التي شهدت أيضاً أوج عطاء الكاتب الراحل "سعد الله ونوس" حيث تتلمذ على أيديهما حين كانا يدرّسان التمثيل والمسرح العربي في المعهد العالي للفنون المسرحية.

ولفت محدثنا إلى أن تلك الفترة كانت فترة تتويج صعود المسرح العربي والسوري بوجه خاص، وحينها نما وتطور لديه حب المسرح –كما يقول – ولكنه تأطر بشكل أكاديمي على يدي هؤلاء العمالقة.

ونظراً لافتقار الشمال السوري في ظروف الحرب لإمكانات درامية من أدوات أو ممثلين محترفين أو معدات تساعد على إنجاز أعمال فنية اختار إبراهيم السكتش وهو نوع من الفن قصير الزمن يؤدي رسالة سريعة لمتلقي متعجل-حسب تعبيره- مضيفاً أن تفكيره كان على طريقة المسرح الفقير، "مساحة فارغة وممثل يصبح الزمان والمكان هما مسرح وهذا ما يتناسب مع ظرف تواجدنا وظروف عملنا الصعبة".

وكشف "ابراهيم" أنه اضطر لأن ينجز عمله الفني "لماذا لا يسمعوننا" بهاتف جوال بعد سرقة أدواته من كاميرات تصوير ولوازم أخرى، ولكن الأداء لم يكن مناسباً فاضطر إلى استعارة كاميرا من صديق إعلامي.

وأشار إلى أن سرعة الرياح في المخيم كانت مناسبة لروح العمل (السكتش) فاستخدمها كغرض وأداة مساعدة وكذلك الأصوات الطبيعية، وشاركته زوجته الناشطة "سيسيليا الطويل" بأداء القرع على الشادر الذي يغطي باب بيتهم، إلى جانب الفنانين "سليمان أبو ياسين" "محمد علوش" "أنور أبو الوليد" "موفق أبو الفدا" "طارق بدرخان" "أحمد عبارة".

ومضى المصدر سارداً ظروف إنجاز عمله حيث استخدم أدوات بسيطة للإضاءة هي (لدات) لتعطيه خلفية من يقرع، وساعده الخيال المنعكس على الشادر على إظهار ممثلين لم يكونوا ممثلين محترفين في الحقيقة، ولكن قوة الفكرة والإيحاء عوّضا نقص الممثل المحترف، وهناك مشاهد عدة استخدم فيها "ستاند" تمكن من تصنيعه بشكل فردي.

ولفت الفنان الأربعيني إلى أنه استوحى فكرة اسكتش "لماذا لا يسمعوننا" من صميم الواقع الذي نعيشه، فالسوري اليوم هو الإنسان المعذب الذي يحارب بإنسانيته أمام آلة القتل التي تريد بقوة محو خطابه ومحتواه الإنساني.

وتابع أن السوريين اليوم هم طلاب حرية لكنهم جوبهوا بالحديد والنار، وخاف المحيط الرسمي العربي والإقليمي من تلك الارتدادات التنويرية للحرية السورية -حسب قوله- فصارت تضيق الآفاق عليه وعلى مكانه وزمانه، وأمام تحديه الوجودي العنيف تُرك وحيدا يصارع بين الموت والحياة.

ونوّه مخرج العمل إلى أن هناك متشابهات كثيرة بين رواية كنفاني والواقع السوري، فاليوم هناك تهجير قسري لمدينة بأسرها وأمام مرأى العالم ومسمعه، وتتوه قوافل البشر من أطفال ونساء ومسنين عجّز منذ أسبوع على الطرقات دون أن يسمع نداءهم ومواجعهم أحد.

وحول اختزال الفكرة والاستغناء عن تفاصيل معاناة "رجال الشمس" داخل الخزان في رحلتهم الصحراوية، وإلامَ يرمي من هذا الاختزال أشار ابراهيم إلى أن الاسكتش يشير بقوة إلى الرواية ويستمد روحه منها:"أردت أن أقرع الخزان وأن أجيب على سؤال ربما يبدو مسكوتاً عنه .. سؤال أبي الخيزران بعد أن ألقى جثث الرجال إلى جانب مكب النفايات لما لم يقرعوا الخزان". وأردف المصدر أنه أراد أن ينقل صورة أبطال الرواية وهم يحترقون داخل الخزان في وقت الظهيرة بقلب الصحراء التي لم يرها أحد والتعبير عن الأنفاس المتقطعة وحشرجات أطفال خان شيخون والغوطة الشرقية وهم في اللحظات الأشد قرباً من الموت حين تعرضوا لغاز السارين .. لقد كانوا حقاً يصرخون لماذا تركتمونا..ولماذا لم تساعدونا ولماذا ألف لماذا.

وأشار "ابراهيم" إلى أن ما يشغله ويشغل كل سوري الآن هو نيل الحرية والعيش بسلام بعد كل هذه التضحيات، لذلك كرّس وقته واهتمامه للعمل الإنساني الذي هو أهم بالنسبة له من العمل الفني أو الصحفي، مضيفاً إن إقلاله من الإنتاج في هذين المجالين سببه حجم الكارثة الذي يفوق الوصف في الشمال السوري، وعبّر عن طموحه بأن ينتج مع آخرين رواية الثورة عبر سكتشات قادمة وربما أفلام كاشفاً عن وجود مجموعة من الاسكتشات قيد الإنجاز لديه سترى النور قريباً.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(173)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي