أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مجزرة الأربعاء في بغداد ... رشيد شاهين

عندما يسقط ما يقارب من 700 من الضحايا بين قتيل وجريح في بغداد بيوم واحد فقط، فان السؤال الذي لا بد أن يتبادر إلى الذهن هو، من المسؤول عن كل هذا الإجرام وعن هذه المجزرة التي أوقعت كل هذا العداد من الضحايا؟ كما يقفز إلى الذهن سؤال آخر وربما أكثر أهمية وهو، إذا كان الوضع الأمني في العاصمة بغداد وباقي المدن العراقية بكل هذه الهشاشة بعد ما يزيد على ست سنوات من الاحتلال وبعد الإطاحة بالنظام السابق أو "البائد" كما يحلو للناطقين باسم حكومات بغداد أن يطلقوا عليه، فما الذي كانت تفعله قوات الاحتلال الأمريكي ومن معها من قوات احتلال أخرى وحكومة المنطقة الخضراء طيلة الأعوام الست الماضية؟

أن يتم توجيه أصابع الاتهام كما جرت العادة إلى "أيتام النظام السابق" أو إلى حزب البعث وأتباعه، فان هذا لم يعد مستساغا، ولا مقبولا، لأنه صار من المتوقع أن يبقى هذا الاتهام جاهزا إلى عشرات السنين، وهو بهذا المعنى المخرج الأكثر سهولة كما تعتقد حكومة بغداد الحالية أو من سيخلفها. لقد صار الحديث بهذه الطريقة وبنفس النغمة ممجوجا لا بل اصبح كريها، كما أن توجيه أصابع الاتهام إلى جهات أخرى مثل القاعدة أو غيرها لم يعد مجديا ولا نافعا، حيث من الواضح أن هذه الاتهامات تصدر بشكل آلي وبمجرد وقوع أي عملية تفجير مهما كان حجمها أو نتيجتها، وقبل إجراء أي تحقيق. من الملاحظ أيضا ان أصابع الاتهام تتوجه باتجاه جهات خارجية تشير في اغلبها إلى سورية والسعودية.

كنا خلال الفترة الماضية لم نزل نسمع تصريحات متتالية من مسؤولين عراقيين وأمريكيين تقول بان الأوضاع في العراق أفضل بكثير مما كانت عليه في السنوات الأولى للاحتلال، وان الأوضاع ماضية إلى ما هو أفضل من ذلك، التصريحات كانت دائما تؤكد على الجاهزية العليا والتامة للقوات التي تم تشكيلها بعد احتلال العراق، إلا ان ما حصل خلال الفترة التي تلت عملية انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من المدن والبلدات من تدهور امني دلل على غير ذلك، لكن وفيما لو كان ما يقال عن استعداد هذه القوات هو فعلا صحيح فان ما جرى وما زال حتى اللحظة إنما يؤشر على ان تلك القوات مخترقة من جهات معينة، أو انها متورطة بشكل مباشر في هذه المجازر، وهذا هو الأرجح بحسب معظم المراقبين.

إن الإجابة عن السؤال الأول والمتعلق بمن المسؤول تقتضي بداية أن يتم تشخيص من هو المستفيد بالدرجة الأولى من مثل هذه التفجيرات ومن له مصلحة في وقوع مثل هذه الجرائم البشعة؟، المنطق يقول بان "أيتام النظام السابق" غير معنيين بمثل هذه العمليات لان من شانها إطالة أمد بقاء قوات الاحتلال في العراق، وذلك بحسب الاتفاقية الأمنية الموقعة بين واشنطن وبغداد، التي تنص على أن هذه القوات لن تنسحب إلا بعد الاستتباب الكامل للأوضاع في العراق، ولم تنص على من هو المسؤول عن تحديد ذلك، ولا الكيفية التي من خلالها يمكن تقييم الوضع إن كان مستتبا أم غير مستتب، وهذه قد تكون احد النقاط الرئيسية الهامة في الاتفاقية التي فيها من الضبابية الكثير، حيث ان مجرد تفجير قنبلة يدوية قد يعني أن الوضع الأمني في العراق غير مستتب.

وأما الجهات الخارجية التي يتم اتهامها بشكل دائم فلا نعتقد ان لدى من يطلقها الكثير من الدلائل والبراهين على ذلك وبالتالي فان الجهات التي يمكن ان تكون مستفيدة من هذه الأوضاع هي تلك التي من صالحها استمرار وجود قوات الاحتلال وبالتالي فان هذا يعني ان الجهة المستفيدة هي الحكومة العراقية التي أتى معظم عناصرها على ظهر الدبابات الأمريكية وكجزء من قوات الاحتلال.

ما يجري من تفجيرات ومحاولة وضع اللائمة على الجهات إياها كما في كل مرة، ومن استمع إلى موقف الشارع يدرك تماما أن هذا الشارع بعد أن اكتوى بنار وجرائم ترتكب ضد أبناء العراق بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والطائفية، لم يعد يقبل محاولات الترويج والتزييف للحقائق وقد يكون هذا ما دفع بعض الناطقين باسم حكومة بغداد إلى الحديث عن أخطاء واختراقات.

بعد وقوع التفجيرات قمت بالاتصال بالعديد من الإخوة العراقيين الذين كان لديهم ما يشبه الإجماع على ان ما يجري ليس سوى محاولة لإشعال نار الفتنة الطائفية وان من يقف وراء هذه العمليات الإجرامية هي جماعات أصبحت معروفة لجميع العراقيين وهي لا تتعدى جهات بعينها مشاركة في العملية السياسية تحاول اللعب على الوتر الطائفي من اجل التهيئة لأجواء مشحونة قبل الانتخابات المزمعة وبث حالة من الرعب وان هذا المكون أو ذاك مهدد وعلى ذلك لا بد من اصطفافات طائفية تعيد إنتاج ما أنتجته الانتخابات السابقة.

الحال في العراق لن يستمر على هذه الشاكلة خاصة في ظل تنامي حالة الوعي لدى أبناء الشعب العراقي الذين اكتووا بنار الإجرام الأمريكي ومن حالفه من العملاء، وهو لو استمر فلن يستمر طويلا لان خيوط المؤامرة بدت مكشوفة وعلى من أتوا بمساعدة المحتل ان يبادروا إلى حزم حقائبهم للعودة من حيث جاؤوا ترافقهم لعنة الشعب والتاريخ.

20 آب 2009

(115)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي