ثمة ملامح حرب مقبلة، وإن بأدوات وطرائق ناعمة، بين حزب العدالة والتنمية ممثلاً برئيسه، رجب طيب أردوغان، وحزب الشعب الجمهوري المعارض، ممثلاً برئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو.
وملامح الصدام أو الحرب الناعمة، أو التمهيدية لانتخابات الرئاسة عام 2023، بدأت تتجلى عبر ومن إسطنبول، لأن من يفز بتلك المدينة الساحرة، سيربح تركيا لا محالة، فمنها وصل معظم القادة والزعماء، وآخرهم رئيس الدولة وحزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان.
ما إن قال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو: لن ننفذ مشروع قناة إسطنبول، لأن أردوغان يريده، حتى جاء الرد، قاسياً وحاسماً من الرئيس التركي "اهتم بعملك ودع القناة".
وأضاف أردوغان: إن رئيس بلدية إسطنبول يخرج إلينا قائلا "إن مشروع قناة إسطنبول ليس مناسبا، وأنا أقول له: فلتهتم بعملك وسنرى معا كيف أن هذا المشروع ملائم لإسطنبول".
وكانت تركيا قد أعلنت اقتراب موعد البدء بتنفيذ مشروع قناة إسطنبول الذي يُوصف بأنه "مشروع العصر"، نظراً لتعزيزه مكانة تركيا في مجال المعابر المائية، ومساهمته في افتتاح مشاريع استثمارية جديدة، وقناة إسطنبول المائية، مشروع يوصف بالحضاري، لأنه يحمي مستقبل مضيق البوسفور من حوادث الملاحة البحرية، لأنها ستربط بحر مرمرة بالبحر الأسود في الشق الأوروبي من إسطنبول، وستكون واحدة من أكبر المشاريع في العالم، وأضخم عمل يتم إنجازه في تاريخ الجمهورية التركية.
ويرى المراقبون، أن من يحل عقدة القناة ويمرر كلامه، سيؤكد للأتراك أنه الفاعل وصاحب القرار على إسطنبول التي خرجت من يد حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة، وفاز برئاسة بلديتها، إلى جانب أنقرة وإزمير، حزب الشعب الجمهوري المعارض.
ربما السؤال البديهي، لماذا التركيز على إسطنبول واعتبارها الممر الأضمن للوصول للرئاسة؟!
في ملامح الإجابة مثلاً، قال مجلس المصدرين الأتراك إن صادرات مدينة إسطنبول وحدها، بلغت 70.1 مليار دولار العام الماضي، مسجلة نسبة 42.2 % من إجمالي صادرات تركيا خلال عام 2019 في حين بلغت صادرات الولايات الـ 81 للبلاد، 165 مليارا و959 مليونا و754 ألف دولار، بزيادة قدرها 12.7 % مقارنة بعام 2018.
ويقال "لو كان العالم كله دولة واحدة، لكانت اسطنبول عاصمتها" لأنها تربط عبر تاريخها وتعاقب الحضارات عليها، العالم، كل العالم بها، وفيها منذ بيزنطة وصولاً لإسطنبول، لكل عاشق وساع لمال وسياحة، وحتى شهرة، نصيب.
فإسطنبول أكبر المدن التركية وثاني أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان وعاصمة اقتصادية وسياحية وثقافية تقع في إقليم مرمرة شمال غربي البلاد وتُعرف تاريخيا باسم بيزنطة والقسطنطينية والأستانة وإسلامبول، ومن ثم إسطنبول.
ويبلغ إجمالي مساحة إسطنبول 5461 كيلومترا مربعا، وتبلغ مساحة اليابسة منها 5343 كيلومترا مربعا، بينما تبلغ مساحة المدينة المركزية 1830 كيلومترا مربعا، وتنقسم المدينة إداريا إلى 39 بلدية منها 27 بلدية تشكل المدينة المركزية تم اختيار إسطنبول كعاصمة مشتركة للثقافة الأوروبية لعام 2010، وكانت معالمها التاريخية قد أضيفت قبل ذلك، في عام 1985، إلى قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
فإسطنبول ولجهة السياحة على سبيل المثال، استقبلت العام الفائت، نحو 15 مليون سائح، ليكون لإسطنبول، ربما الفضل الأهم، برفع عائدات السياحة التركية لنحو 30 مليار دولار، بل وتسريع الحلم خلال مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، بوصول السياح لخمسين مليونا والعائدات لخمسين مليار دولار.
وسقطت القسطنطينية يوم 29 مايو/ أيار عام 1453 للميلاد في أيدي العثمانيين بقيادة السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح بعد حصارها لمدة 53 يوما، وبعد عمليات عسكرية معقدة لتجاوز خطوط الدفاع "سور القسطنطينية" التي تحمي المدينة من البر والبحر وبعد الفتح العثماني، نقل الفاتح عاصمة الدولة العثمانية من أدرنة إلى القسطنطينية التي أصبح اسمها إسلامبول (أي مدينة الإسلام)، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ المدينة، ارتبطت بعاصمة الامبراطورية العثمانية التي مثّلت الإسلام حينذاك وتوسعت، بدءاً من الاستيلاء على مناطق سيطرة البيزنطيين في الأناضول وآسيا الصغرى خلال حكم أولاد أرطغرل، وصولاً لبلاد الشام ومصر بعهد سليم الأول، ثم أوج عصرها، لجزيرة رودس، والقسم الجنوبي والأوسط من بلاد المجر، وطرابلس الغرب، بزمن الابن سليمان الذي لُقب بالقانوني.
وإسطنبول حسب آخر بيان لهيئة الإحصاء التركية، زادت عن سكان 131 دولة حول العالم، بعد أن بلغ عدد سكانها 15.677 مليون نسمة، لتتجاوز عدد السكان، بلجيكا (11.5 مليون نسمة)، واليونان (11.1 مليون نسمة)، والنمسا (8.8 مليون نسمة)، وبلغاريا (7 مليون نسمة) ومعظم عدد سكان دول الخليج العربي.
تحظى مدينة إسطنبول باهتمام الحكومة التركية المتواصلة لتبقى العاصمة الاقتصادية، ويجمع كل من يتطلع للاستثمار بتركيا، أن إسطنبول هي المنطلق، نظرا لما تحويه من استثمارات ضخمة ومراكز اقتصادية متخصصة وسوق استهلاكية بحجم دولة.
وفضلاً عن أهمية إسطنبول السياحية على اعتبارها موقعا أثريا متكاملا ومتحفا تاريخيا كبيرا، فهي توفر فرص عمل لـ20% من الأيدي العاملة في تركيا، وتسهم بـ22% من الناتج القومي التركي، ويؤخذ منها 40% من مجموع الضرائب في الدولة، وتنتج 55% من الصادرات التركية.
ثمة مشروعات ضخمة وهائلة بإسطنبول، كالمطار الثالث الذي زادت كلفته عن 30 مليار دولار وقناة إسطنبول بكلفة تقديرية 10 مليار دولار، والجديد اليوم، هو مركز إسطنبول المالي كمثال، لنعرف وزن هذه المدينة ودورها كقاطرة تجر الاقتصاد التركي برمته، فالحكومة التركية وضعت مؤخراً، خطة لبناء مركز مالي ضخم مع حلول 2020، بمشاركة شركات عملاقة في مجال البناء والتمويل أيضا، وذلك بهدف توسيع حصتها من الاستثمارات الأجنبية بشكل مباشر، ورفع مستوى الناتج المحلي والمضي قدما في تجسيد رؤية تركيا 2023.
المتابع للاقتصاد التركي، يرى بوضوح أن إسطنبول هي كلمة السر، سواء لجهة السياحة أو الصادرات أو حتى نقل سياسة تركية عبر السياحة والصادرات، فمن مطاراتها عبر 104 مليون مسافر خلال عام 2019.
ولعل الأهم، هي الرعاية والخصوصية التي تتمتع بها هذه المدينة، فعلى سبيل الذكر، تزيد ميزانية إسطنبول السنوية، عن ميزانية رئاسة الجمهورية والبرلمان و18 وزارة تركية، كل على حدة، فهي تبلغ 42 مليار ليرة تركية " نحو 7 مليار دولار" ومن هذه الميزانية، تتم أكبر المشروعات، ومن يمتلك قرار إسطنبول الكبرى المالي، يمكنه أن يقيم شبكة علاقات مع مستثمرين وحتى دول، بل ويؤمن عبر الصفقات رصيد وعائد لحزبه ويوسع من قواعده الجماهيرية.
إسطنبول - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية