أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المكاسب الحقيقية من مقتل "قاسم سليماني"


تنشغل وسائل الإعلام العربية والدولية بتغطية وتحليل تبعات مقتل قائد ميليشيا فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني" الذي قضى في غارة أمريكية استهدفت موكبه قرب مطار بغداد يوم الجمعة الماضي، وذهبت بعض التغطيات لترجيح فرضية اندلاع حرب طاحنة بين الطرفين لن تقتصر على الإقليم بل ستفجر المنطقة ويمتد لهيبها إلى مناطق شاسعة من الكرة الأرضية.

ليلة أمس كان رد إيران على مقتل رجلها القوي مثار سخرية الكثيرين، لأنه اقتصر على بضع صواريخ قديمة سقطت وسط صحراء العراق، دون أن تصيب أي جندي أمريكي، في مشهد رآه البعض أنه لـ"تسخين ماء وجه إيران ومرشدها"، ليستطيع إكمال دور "المقاوم والممانع"، وليرضي الحشود الكبيرة التي شيعت "سليماني".

في المقابل انشغل الطرف الآخر المتمثل بالرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالتهديد والوعيد والصواريخ الكلامية التي يطلقها من منصته المفضلة "تويتر"، تاركا العمل بما يتوافق مع القوة الأمريكية الهائلة والتي ترعب أي دولة على امتداد المعمورة، وهنا يمكن القول إن ما جرى ويجري ليس إلا "مسرحية" حيكت فصولها في دهاليز أروقة المخابرات الأمريكية والإيرانية لاستمرار الوضع الراهن بعد جملة من التهديدات التي باتت تهدد وجود نظام الملالي مثل الاحتجاجات الشعبية في العراق وإيران.

منذ نحو أربعين عاما و"قاسم سليماني" يصول يجول في منطقة الشرق الأوسط على مرأى الأمريكيين دون أن "تشكه إبرة" واحدة على طول طريقه الممتد بين سوريا ولبنان والعراق واليمن، ومن يراوده الشك في أن قائد "فيلق القدس" كان يتنقل بسرية فهو واهم ولا يعرف كيف تضع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية وحتى الإسرائيلية المنطقة تحت المجهر وتراقب "الطير الطاير" أين يطير وأين يحط وكم ريشة تغطي جسده.

لم تعترض واشنطن طريق "سليماني" الذي حكم العراق فعليا بعد حربها التي أسقطت "صدام حسين" عام 2003، والحقيقة التي يعرفها الجميع أن واشنطن حركت أكثر من 20 جيشا من الحلفاء في حرب العراق لتتركه هكذا بين براثن "سليماني" الذي أخذ يعين حكومات وقادة جيوش وفرقا أمنية، ويقيل وزراء ورؤساء كما يحلو له، وفوق كل هذا نهب خيرات البلاد وثرواتها لدعم بشار الأسد وحسن نصر الله وجماعة عبد الملك الحوثي.

من المؤكد أن واشنطن كانت راضية عن تسلط إيران على القرار السياسي والسيادي لأربع دول عربية، فهي "الآمرة الناهية" على الساحة الدولية، ولا يمكن لأي دولة أن تتجاوز حدودها إلا بضوء أخضر ومباركة أمريكية، فالوجود الإيراني في هذه المناطق يخدم المصالح الأمريكية بشكل أو بآخر، ربما يكون إحدى هذه الأغراض هو تعزيز الهيمنة على الخليج، عبر كسب المزيد من الأموال بحجة الحماية وبيع شحنات ضخمة من الأسلحة سنويا.

وجود "سليماني" تحت الأنظار الأمريكية أكده وزير الخارجية "مايك بومبيو" الذي كشف أنه وجه رسالة لـ"سليماني" عام 2017 أي في الفترة التي كان يشغل فيها منصب مدير وكالة المخابرات المركزية "CIA"، حملت تحذير شديد اللهجة للجنرال الإيراني يتلخص في أن الولايات المتحدة ستلاحقه وتلاحق بلاده في حال أقدمت قواتهم على مهاجمة العسكريين الأمريكيين في سوريا والعراق.

على المستوى الأمريكي سيكسب الرئيس "ترامب" الذي يعيش في حالة صراع مع أعضاء الكونغرس قد تطيح بكرسي حكمه، من تأييد شعبي ويصبح القائد الذي يدافع عن جنوده ومصالح بلاده أمام الأعداء، وقد يفوز بولاية حكم ثانية، وفوق كل هذا سينال مزيدا من الأموال السعودية لأنه قطع يدا طويلة من الأذرع الإيرانية التي تحاول تخريب المنطقة.

أما عراقيا، سيجهض اغتيال "سليماني" الاحتجاجات الشعبية وسيجعل الميليشيات الطائفية أكثر دموية وتبعية لإيران، التي استفادت بدورها من جرعة "ممانعة ومقاومة" جديدة للموالين للنظام الحاكم، كما أبعد "خامنئي" شبح "سليماني" الذي بدأت شعبيته تتعاظم وتكبر لدرجة أن المحتجين أمام السفارة الأمريكية ببغداد كتبوا على جدرانها عبارات تؤكد أن قائدهم هو "قاسم سليماني"، وبالتالي سيورث المرشد الحكم لمن يريد.

لا شك أن مقتل "سليماني"، حدث كبير ومهم للغاية، أفرح قلوب الملايين من ذوي الضحايا الذين قتلوا على يد ميليشياته، لكنه وبكل صراحة لن يقلل من أعداد الضحايا في سوريا ولبنان والعراق واليمن، لأن عصابة القتل مازالت موجودة بمباركة دولية، وبكل تأكيد سيأتي من يضاهي "سليماني" أو يفوقه دموية وهم كثر في صفوف ميليشيا "الحرس الثوري"، ويواصل طريق سلفه في الإجرام والتخريب.

ضرب الهيبة الأمريكية أو قطع الأذرع الإيرانية وما سبقها من شعارات توهم البعض أنها تأتي في سياقات الندية، ستبقى ضمن استراتيجيات البلدين اللذين اختارا هذه اللعبة ولن يجدا أفضل من الساحة العربية لتطبيقها ولجني مكاسبهما حتى لو أفنيت شعوب المنطقة عن بكرة أبيها.

محمد الحمادي - زمان الوصل
(116)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي