يرصد الكاتب والمعارض السوري "معبد الحسون" في كتابه "الرقة والثورة-شهادة شخصية" أحداثاً ووقائع عايشها في المدينة التي ظلت لسنوات تحت سيطرة تنظيم "الدولة"، كاشفاً جوانب من علاقة هذا التنظيم بمخابرات النظام، هذه العلاقة المتشابكة والملتبسة التي كانت تجري بالسر أحياناً وبالعلن أحياناً، وكيف بدأت قوات الأسد في استمالة مقاتليه، وتدريب عناصره في معسكراتها بريف المحافظة، بقيادة اللواء أديب نمر سلامة، مدعماً ذلك بالأسماء والوقائع وبأسلوب تأريخي وتوثيقي يساعد على فهم ما لم يُوفق الكثيرون في فهمه حتى الآن.
ولد "الحسون" في مدينة الرقة عام 1957 ودرس فيها كل المراحل التعليمية الابتدائية والاعدادية والثانوية.
انتسب إلى جامعة حلب، كلية الآداب /قسم اللغة العربية. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من عام 1980 تم اعتقاله وكان يومذاك على أبواب التخرج من الجامعة، وكانت بداية تفتحه على العمل السياسي مبكرة جداً ربما تعود إلى منتصف فترة الدراسة الإعدادية -كما يروي لـ"زمان الوصل"- وحينها كان يساري الميول في فترة المراهقة.
ونشأ لديه إعجاب كبير بشخصية "رياض الترك"، الذي أصبح الأمين العام للحزب الشيوعي، بعد انفصاله عن تيار "خالد بكداش"، وعمل في القطاع الطلابي في الحزب حتى منتصف تعليمه الجامعي، حيث استقال من الحزب دون أسباب مباشرة، سوى التعب واليأس من العمل السياسي في تلك المرحلة، حسب قوله.
وحول فكرة كتابه (الرقة والثورة ـ شهادة شخصية) الصادر حديثاً أشار "الحسون" إلى أن هذا الكتاب جاء دون دوافع مباشرة، ولا مخطط مسبق فبعد مشاركته في الثورة السورية حتى بدايات عام 2014، وبعد مكوثه كلاجئ في تركيا لفترة سنتين وسبعة شهور، ثم تقدمه بطلب لجوء إلى فرنسا، ووصوله إليها في تموز يوليو/ 2016 كان لديه ما يشبه الخشية من بعثرة وضياع كل ذكرياته ومدوناته وما سجل من أفكار خاصة عن مرحلة الثورة في الرقة.
يقول: "وجدت دافعاً قوياً لأن أدون كل تلك الأفكار وأن أنقل تجربتي الشخصية في كتاب على شكل مذكرات تجمع بين التأريخي والسرد الشخصي المقيد بخبرتي المباشرة وما استقر في نفسي من انطباعات، وما عاينته بشكل مباشر".
وأردف أن مبلغ خشيته كانت أن تذهب تلك الذكريات وملاحظات تلك المرحلة طي النسيان بمرور الوقت وتعاقب الأيام، فكتب ما استطاع تدوينه مؤثراً –كما يقول- إضافة عبارة "شهادة شخصية" حتى لا ينحو الكتاب منحى البحث الأكاديمي المستقل والمحايد والشامل لكل ما جرى في الرقة من تطورات وأحداث.
وحول تضمّن كتابه إضاءات على شخصيات من الفصائل المتشددة التي يصفها الإعلام الغربي والعربي بالمتشددة وهل كان من السهل عليه الاقتراب من هذه الشخصيات ومعايشتها وهو المختلف عنهم كلياً على صعيد الانتماء العقائدي لفت مؤلف الكتاب إلى أن التعايش والاقتراب والتواصل اللقاء بأيٍ كان في الرقة كان سهلاً بالنسبة لمن هو في موقعه ولم يكن ذلك صعباً أو شيئاً غير متصور رغم التباينات والاختلاف إلى حد التناقض والقطيعة الفكرية بينه وبين هؤلاء.
وعن حرصه على تدوين أدق التفاصيل فيما يتعلق بحياة المدينة وإرهاصات الثورة فيها دون أن يبتعد عن القراءة الفكرية المتأنية، وهل انتهج آلية محددة في تأليف الكتاب أوضح الكاتب أنه لم ينتهج آلية أو خطة مسبقة التصميم في تأليف كتابه بل كان مجرد ذكريات وأفكار وشواهد وأحداث، وغير ذلك مما علق في ذاكرته من التجربة التي عايشها، مضيفاً أن حرصه كان منصباً على كيفية إعادة صياغة كل هذا الكم من التجارب والخبرات التي مر بها، في صياغة تدوينية جادة، تجمع بين التاريخي والتدوين المذكراتي، دون أن تقع في حبائل أو إغراء أي منهما، ولا يدري -كما يقول- مقدار النجاح الذي حققه في محاولته تلك.
ويحتوي كتاب "الرقة والثورة ـ شهادة شخصية" العديد من الوثائق المكتوبة بخط اليد وحول كيفية الحصول على هذه الوثائق أشار "الحسون" إلى أن هذه المصادر كانت متوفرة ومتناثرة في مواقع ولدى شخصيات شتى بعد أن تم استيلاء الثوار والجيش الحر على كامل مقرات ومؤسسات النظام، وكان -حسب قوله- حريصاً على أن الاحتفاظ بها طوال الوقت، ومع الوقت تراكم لديه كمية كبيرة من هذا الأرشيف مما زوّده بكثير من الوثائق التي احتاج إليها في تأليف الكتاب، مع العلم –كما يقول- أن نصف ما تجمع لديه في وقت من الأوقات من تلك الوثائقيات، قد فقد بسبب ظروف اللجوء والتنقل والهجرة وعدم الاستقرار حتى اليوم.
ويقارن "الحسون" في مقدمة كتابه بين واقع الرقة قبل قرن وواقعها بعد عام 2011 من حيث التراجع الثوري والنكسة الروحية شبه العدمية -حسب قوله- على مكافحة الظلم والطغيان وحول المقصود بذلك وأسباب تراجع الروح الثورية في الرقة، أوضح أن كل الظروف التي انتجت غضباً ورغبة في التغيير في محافظة الرقة لم تكن كافية لتشبع الناس بروح ثورية كافية لأن يعملوا على تنظيم أنفسهم كما يجب، لافتاً إلى أن هناك أربعة عوامل وأسباب ساهمت في تراجع النفس الثوري في المحافظة ومنها عدم وجود مركزية أو شبه مركزية قيادية، ولو في الحد الأدنى، كما كانت التدخلات الخارجية تعمل باستمرار على إفساد المفسد وتدمير المدمر وبعثرة المبعثر طوال الوقت، علاوة على أن البنية السكانية للمحافظة –كما يقول- كانت هشة وضعيفة وغير قادرة على تشكيل حاضنة بشرية قادرة على استيعاب ظروف التغير، فالجهل والفساد والتخلف كان مريعاً وشديداً وأكثر مما كان متوقعاً.
وحول تفسيره لوفرة الكتب الغربية التي أرّخت للثورة السورية وندرتها بالنسبة للعرب، وما أسباب هذا التقصير، نوّه "الحسون" إلى أن الكتاب العربي والقراءة عامة تمر اليوم بأسوأ حالاتها، حيث لا يوجد كثير من المهتمين ولا يوجد من يعطف أو يهتم بالمحصلة الفكرية أو التدوينية أو توثيق مرحلة الثورة، وعدم وجود مؤسسات أو جهات قيادية جادة ومهتمة ومسؤولة أيضاً.
وعبّر الكاتب الرقاوي عن اعتقاده بأن الثورة السورية قد انتهت نهائياً على الأقل في شكلها السابق وصيغتها ومستواها الذي نعرفه.
فقد نقلت هذه المعارك ونتائجها كل القضية السورية من قضية سوريين، لتصبح قضية المتدخلين الدوليين و الإقليميين الذين كسبوا الحرب.
وختم محدثنا بأن صيرورة الثورة السورية منذ انطلاقتها في الشهر الثالث من عام 2011 وحتى الإعلان عن تشكيل ما سمي بائتلاف قوى الثورة والمعارضة في عام 2012 ونقل قرارها رسمياً من السوريين إلى موظفي الدبلوماسية والسياسيين للدول المتدخلة في الملف السوري.
وبنهاية الاعمال القتالية بعد معركة عين العرب (كوباني)، في أول شهر من عام 2015، بين التحالف الدولي وتنظيم "الدولة" كل ذلك حدد مصير هذه الثورة بشكل قاطع.
ولدى "الحسون" رواية سردية تاريخية عن مرحلة السجن وأدب السجون بعنوان "قبل حلول الظلام" ورواية بعنوان "الحرب"، وكتب سيناريو لم ينته منه بعد لمسلسل عن تجربة وجود تنظيم "الدولة" فترة سيطرته على الرقة، كما أن لديه العديد من المشاريع بعضها أدبي روائي وبعضها فكري وبحثي عام ينتظر الوقت ليتفرغ لها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية