أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الانتفاضة في إيران تبعد شبح الضربة الإسرائيلية... مهى عون

 احتلت الانتفاضة في إيران مقدمة الأخبار عبر العالم، خاطفة الأضواء عن الضربة العسكرية الإسرائيلية "الافتراضية" على إيران والتي كانت أخبارها تحتل المرتبة الأولى على مدى شهور، وتتراوح كثافتها تبعاً لتنامي أو تراجع حدة التهديد والتهديد المقابل بين البلدين. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الضربة الاسرائيلية على إيران، كانت واردة فعلاً، ولم تكن مجرد كلام في الإعلام، فيما اليوم كل المعطيات باتت تؤشر إلى تراجع احتمالات حصولها. فما الذي تغير؟
 الذي تغير هو أن الانتفاضة في إيران تزامنت مع نجاح مساعي الإدارة الأميركية في إقناع حكومة إسرائيل بعدم جدوى توجيه ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، وذلك على خلفية إدراك الإدارة الأميركية لمدى خطورة ضربة من هذا المعيار كانت ستدخل منطقة الشرق الأوسط بكاملها في آتون من نار، وفي حالة من الغليان والاضطرابات لا يمكن توقع نتائجها.

أما السؤال الآخر فهو هل استبعدت الضربة أم أوجلت إلى أمد غير مسمى، أو انتفت احتمالاتها بالكامل؟ في الحقيقة هي أسئلة سوف يجيب عليها المستقبل القريب، المتعلق فقط بمجرى ونوعية التطورات في الداخل الإيراني، من ناحية مصير الانتفاضة وشكل السلطة التي سوف تتمكن من الإمساك بزمام الأمور.
 ولقد بات معلوماً أن ثني إيران عن برنامجها النووي لم يكن مطلبا يعني فقط الولايات المتحدة وإسرائيل، بل يعني وما زال مجموعة الدول الغربية، والدول الست على وجه الخصوص، (الولايات المتحدة، وألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا)، التي التزمت مهمة التفاوض مع إيران حول الملف النووي، والتي ما زالت تعرب عن أملها في استئناف الحوار. ولكن الحوار مع من والتفاوض مع أي من الأطراف اليوم؟

هل يكون مع المراجع الدينية أم مع السلطة العسكرية التي افترقت سياساتهما في الآونة الأخيرة؟ مع العلم أن كل مبادرة لحوار أو اتصال يجري اليوم، والحالة هي في هذا الدرجة من الغليان، سوف يعد اعترافاً بسلطة طرف ما أو انحيازاً لفريق على حساب آخر. فالمفاوضات التي ما زال يصر عليها الرئيس الأميركي باتت بحكم المستحيلة في ظل الأوضاع القائمة. أما الخيار المتبقي فهو الانتظار، انتظار ما سوف تؤول إليه الأحداث وتطورات حركة الانتفاضة الشعبية بقيادة الإصلاحيين.
 والانتظار يعني حرقاً للوقت وقد يقول قائل أن الوقت قد يصب في مصلحة نظام الملالي من ناحية تأمينه الحاجة له في مجال إنتاج القدرة النووية. ولكن الوقت إذا كان يخدم هذا البرنامج لتمكين النظام القائم من الإستقواء به بعد إتمامه، فالوقت بالمقابل يعمل ضد مصلحة النظام في الشارع إذ كلما طالت مدة الأزمة كلما تخلخلت وتصدعت ركائز النظام.
 وقد تكون عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة هو حلم الساسة في الوقت الحالي في إيران، على ما كانت تؤمنه هذه الأوضاع من مطاطية في الأخذ والرد والتفاوض حول شتى الاحتمالات. ومن ضمن الجدليات التي كانت قائمة الضربة العسكرية على إيران. فكلام من هذا النوع كان يعمل عربيا وإسلاميا لمصلحة النظام القائم في إيران عن طريق إثارة وتزكية العواطف والحساسيات الإسلامية، في مواجهة تهديدات إسرائيل "العدو المشترك" بين العرب وإيران. الحرب التي كانت إيران تطرب لسمع قرقعة طبولها الإعلامية همد صخبها اليوم. وإستغياب تواتر أخبار الحرب قد يفسر كلام وزير الخارجية منوشهر متكي الذي عاد يطرح احتمالاتها إعلاميا، وإن خص بكلامه الساحة اللبنانية للتمويه. ولكن إصراره للذهاب أو الكلام عن الحرب والناس عائدون منها ويفضلون تغييبها، كان ملفتاً ومؤشراً لتفضيل الساسة الإيرانيين لمرحلة التوتر وشد الحبال الإعلامي حول احتمالات الحرب، أو عدمها. ولكن إدارة أوباما بسياستها العاقلة والغير متهورة، أدركت مخاطر وتداعيات أي ضربة على إيران وفضلت التراجع عن هذا الاحتمال وضغطت على إسرائيل بهذا الاتجاه. 


 من هذا المنطلق يمكن القول أن اندلاع حرباً إسرائيلية إيرانية فعلياً وليس كلامياً  قد يكون اليوم الخيار الأنسب للنظام القائم في إيران، فالحرب تشكل الاحتمال الوحيد القادر على إخراج السلطة الإيرانية من محنتها الحالية، عن طريق مراهنتها على حتمية اندفاع غالبية المواطنين عفويا وغريزياً إلى الالتفاف حول الحكم المركزي التقليدي. وضمن هذا الاحتمال تكون الضربة بمثابة إطار النجاة لنظام مخلخل يتهاوى، يمكّن السلطة من إعادة إحكام القبضة من جديد وصولاً إلى تلقين الدروس الصارمة للذين ساورتهم نفسهم التحول إلى ما باتت تصفهم الدولة بالخوارج والخونة. ناهيك عن أن الرد الإيراني على الجوار العربي وعلى من تسميهم "بالأصدقاء عندما يخطئون"،  من الممكن أن يكون شديد القساوة، وقد يتحول إلى محرك لقوى الممانعة في المنطقة حتى تستقوي فتتحكم إرهابياً بالدول حيث تتواجد وحيث يتواجد النفوذ الإيراني حالياً، على شاكلة ما حصل مع  الطالبان في أفغانستان. دون أن ننسى تنامي أجواء الحرب الباردة في حال حصول "الضربة" بين الولايات المتحدة وروسيا مع احتمال خروج روسيا من تحالف دول الست الضاغط على إيران. ناهيك أيضاً عن الانهيارات الاقتصادية المحتمل حصولها على الصعيدين الشرق أوسطي والعالمي بسبب دخول بحر الخليج العربي في دائرة النزاع.
       تلك المخاوف والهواجس حملها الموفدون الأميركيون إلى إسرائيل بهدف حثها على العزوف عن مشروعها العدواني تجاه إيران، مع الإبقاء عل هامش المناورات والاستعدادات للحرب الافتراضية قائماً، على قاعدة "استعد للقتال وأنت ذاهب إلى السلم".
 والولايات المتحدة التي هي في حال انتظار وترقب حتى تنجلي الصورة.... جل ما  يهمها ويشغلها اليوم هو كم فم إسرائيل حتى "تتوقف عن الصراخ" وصولاً إلى شهر سبتمبر موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يقترح الأميركيون عقوبات مالية على إيران كحظر التأمين على الصفقات التجارية مع طهران مما يصعب عليها التعامل التجاري مع البلدان الأخرى... كما تنصحها بالتزام الصمت وبالركون إلى خلفية الكواليس، حتى لا تتهم الولايات المتحدة الراعية لها بالتحيز أو بتحفيز التظاهرات المناهضة للسلطة وهو أمر سوف يصب في مصلحة المحافظين.

                                                       

(104)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي