إنتهت الحرب باحتلال العراق كما كان مخططا لها , وكما كنا نتوقعه ويتوقعه المالم , كيف يستطيع العراق مقاومة التكنولوجيا والقوة العسكرية الهائلة لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل , كيف يدخل العراق حرب النجوم وسلاحه يعود لمخلفات الحرب مع ايران.
عدت الى العراق مع تلفزيون العربية , لنشاهد ماحدث للعراق من دمار ومن كوارث اقتصادية وبشرية .وصلنا الحدود العراقية الجديدة وكنا بالألاف ننتظر الجنود الأمريكان وهم يفطرون أمامنا ويرقصون على أنغام الروك أند رول , الحدود تفتح في تمام الساعة الثامنة صباحا , وبالفعل حين دقت ساعة ' بيغ بن ' الحدودية , فتح الجنود السياج الحديدي لتدخل السيارات والبشر التي تنتظر منذ ساعات الفجر .دحلت السيارات بدون تفتيش وبدون مراقبة وبدون أية اسئلة , فقط ينظر الجندي الأمر يكي الى جواز سفرك وحين يرى انك صحفي , يبتسم ويقول لك مع السلامه باللهجة العراقية , هنا عادت بي الذاكرة الى الوراء قليلا ولعدة أسابيع فقط , بالأمس تركنا العراق وكنا أخر وفد تلفزيوني أوربي يخرج من الحدود , تذكرت كيف كان التقتيش والتدقيق وتذكرت حادثة فحص الأيدز للصحقيتان الوحيدتان ضمن وفدنا وكيف انتظرنا طويلآ قبل أن نغادر العراق , وبين اليوم وكيف دخلنا ودخل الألاف معنا بدون تفتيش وبدون مراقبة . هكذا كان حال الحدود العراقية من جميع الجهات وهكذا دخلت الميليشيات المسلحة وتدفق السلاح عبر الحدود وبشكل خاص من جهة ايران , يقدر عدد الميليشيات المسلحة التي دخلت في الشهر الأول من سقوط العراق , بأكثر من مئة ألف مسلح دخلوا من ايران .
في مثل هذه الأيام من عام 2003 , كنا نجوب شوارع بغداد بحثا عن الأخبار وكنا في فندق الكرمة المحجوز لتلفزيون العربية , وبجانبنا فندق الفصول الاربعة وفيه الضباط الأمريكان .
كنا نتجول في النهار [ في الليل حظر التجول ومسموح فقط للأمريكان وحرامية بغداد ], ونسمع المأسي , كيف سرقت البنوك والمنشأت الحكومية وبيوت المسؤولين السابقين من قبل ميليشيات الأحزاب الكردية والشيعية , سمعنا كيف هاجمت ميليشيات أحمد الجلبي بنك الرافدين في شارع الرشيد واستحوذت على اكثر من نصف مليار دولار , وكيف هاجمت ميليشيات الحكيم كذلك بنك الرافدين في المنصور واستولت عليه , سمعنا كيف استولى الجلبي على نادي الصيد وسكن فيه بحجة أنه ملك لعائلته , وكذلك فعل الحكيم الذي استولى على بيت طارق عزيز , وهكذا فعل جميع المسؤولين الجدد الذين جاؤوا مع الدبابات الأمريكية , واستولت كذلك القيادة الأمريكية على القصور الرئاسية وسكنت فيها . كنا نتجول في شوارع بغداد ونرى الوزارات والمؤسسات العراقية وعليها أسماء الأحزاب الكردية والشيعية الجديدة , أسماء وهمية وتنظيمات فارغة استولت على بغداد ونهبتها تحت حماية ومباركة قوات التحالف الحضاري والإنساني والديموقراطي . كنا نتجول في شوارع بغداد ونشاهد سيارات لاند روفر السوداء والمغطاة بالستائر ومكتوب عليها .F.B.I وجميع أهالي بغداد يعرفونها حين تجوب في الشوارع على شكل ارتال محمية , ويقولوا أنها سيارات الموساد الإسرائيلية . كنا نتجول في منطقة الكرادة ونسمع بأن الإسرائيلين يستأجرون البيوت ويبحثون عن أملاك تعود لهم , سمعنا كيف سرقوا جميع الأثار في المتحف العراقي والتي تعود للفترة البابلية وكيف تمركزت القيادة الإسرائيلية في بابل واستولت على أثارها التاريجية . كنا نتجول في حي الكرادة حين بدأ اطلاق النار وتجمع الأهالي في كرادة مريم وكيف اعتقلت الموساد المناضل الفلسطيني ‘ أبو العباس ‘ الذي قتلوه فيما بعد , ولم نسمع بصوت الضمير العربي ولا حتى الإحتجاج الفلسطيني .
كنت اتجول في بغداد مع صديقي الصحفي الفرنسي جورج مال برينوا , الذي اعتقل فيما بعد مع زميلنا الأخر كريستيان شينوا وأخي محمد الجندي المرافق لهم . كنا نبحث عن القيادة العراقية السابقة وعن الرموز الوطنية التي نعرفها . صمت رهيب يخيم على بغداد وحزن عميق لدى البغداديين وهم يرون الدبابات الأمريكية تتجول ليلآ نهارأ , تبحث عن المسؤولين السابقين ورموزهم الوطنية التي بدأت تسليم أنفسها للقيادة الأمريكية , بعد أن تتعهد لهم بضمان خروج عائلاتهم سالمين من العراق , وهدا مافعله طارق عزيز قبل أن يستسلم لهم .
تعود بي الذاكرة الى تلك الايام ومايحدث اليوم في العراق الجديد من مجازر وتدمير وقتل وتشريد لأكثر من خمسة ملايين عراقي , كيف كان تفكير القيادة العراقية السابقة وبين ماجاء به الإحتلال الامريكي الديموقراطي من رجال الظل في قيادة العراق الجديد . كيف رفض الأستاذ طارق عزيز قبول اللجوء السياسي أو حتى فكرة قبول مناقشته , وكيف هي الحكومة العراقية الحالية , أغلبها جاء من الخارج وعائلاتهم لازالت تعيش في الخارج ولاتستطيع حتى الدخول الى العراق , جميعهم يحمل الجنسيات الأجنبية , من رئيس دولتهم الى أبسط مسؤول فيهم . لنعد الى الوراء قليلا ونناقش الأمور بموضوعية ومن منظار القانون الدولي الذي استخدمه السيد بوش مع إدارته المحترمة في تبرير حربهم على العراق واحتلاله , استخدموا الشرعية الدولية وفرضوا على العالم حقهم السيادي في فرض العقوبات الإقتصادية والسياسية والعسكرية على العراق , وحقهم في محاربة الإرهاب والتفتيش عن الأسلحة المحظورة . وهنا بدورنا نتسأل ونسأل مثقفي العالم وأحرار العالم :أين هي تلك الإدعاءات الكاذبة الأن ؟؟؟؟. نسأل اليوم المثقفين والسياسيين العرب والقوى العربية الوطنية واللاوطنية , نسأل أحرار العالم ومسؤولي المنظمات الدولية والإنسانية , أليست هي مسؤولية الدولة المنتصرة والمحتله في حماية الأفراد والسكان المدنيين والممتلكات ؟؟؟ وإذا أمنا جدلآ وأيدنا حجج ادارة بوش في أن النظام العراقي السابق كان نظامأ ديكتاتوريا ونذهب معهم أيضا في أنه كان نظاما عنصريا وحتى نازيا وأن أمريكا دخلت باسم العالم الديموقراطي وبإسم الأمم المتحده وبإسم الإنسانية جمعاء لإزالة ذلك النظام الإرهابي , وأن القوات الأمريكية دخلت باسم قوات التحالف الدولي ولازلنا نردد كالببغاء هذا الإسم المزيف , وسقطت الدولة العراقية والحكومة الشرعية للعراق المستقل , أليس من واجب قوات التحالف تسليم القيادة العراقية الى محكمة دولية مختصة , كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية في ‘محاكمات نورنبرغ ‘ ألم تتهم ادارة بوش صدام حسين وحكومته بالنازيين ووصفوا صدام حسين ب: هتلر , وطبعوا ‘ شدة ورق ‘ تحمل صور مسؤولي النظام وتطالب بمحاكمتهم كمجرمي حرب . أليست هي مسؤولية المحتل الجديد في تسليم المسؤولين السابقين الى محكمة دولية ليرى العالم أين هي أسلحة الدمار الشامل ولنرى الحقيقة حول أكبر رابع جيش في العالم ؟؟ هذا الجيش الذي قام الحاكم العرفي بول بريمر بحله فورا وسمح باجتثاث البعث , ليأتي اليوم وبعد ستة سنوات من تدمير العراق , ليعترف أمام العالم بأنه اتخذ قرار حل الجيش العراقي خضوعأ لتهديد القيادة الكردية وبغلطته في تسليم قانون اجتثاث البعث لقيادات الظل العميلة , التي جلبها معه على ظهور دباباته الأمريكية .
ألا يحق لنا ياعرب أن نناشد ونطالب هيئة الأمم والمنظمات الدولية والإنسانية عن مسؤولية الرئيس بوش وادارته في تدمير العراق ونهب ثرواته , ومقتل مليون عراقي وتشريد أكثر من خمسة ملايين حارج العراق , ألا يحق لنا أن نتسأل ياعرب لماذا لم تشكل محكمة دولية على غرار محكمة نورنبرغ ومحكمة يوغسلافيا السابقه . سلوبودان ميلوزوفيتش وقيادته ذهبوا الى لاهاي والى محكمة دولية , فلماذا لم يذهب الرئيس صدام حسين وحكومته الى لاهاي وتشكل محكمة دولية لمحاكمتهم , بدلآ من أن تقوم إدارة السيد بوش بتسليمهم الى محاكم الظل العميلة والتي تشكلت على مواصفات عدائية وطائفية تابعة للمحتل الأمريكي , ونتيجتها طبعأ الموت والحكم المسبق بالإعدام عليهم . لقد تفرجنا ياعرب وتفرج العالم معنا على المسلسل التلفزيوني لمحاكمات القيادة العراقية السابقة وإعدام الرئيس صدام حسين وحكومته , وتابعناها بلهفة كما يتابع الإنسان في أوربا وأمريكا مسلسلات : دلاس و سانتا باربارا . الإنسان في أوربا وأمريكا يتابع تلك المسلسلات للترفيه عن نفسه , ونحن ياعرب نتابع تلك المسلسلات الأمريكية في اعدام قادة الأمة العربية . الويل لكم ياعرب الذل فمسلسلكم التلفزيوني قادم , لأننا في عصر لا قيمة فيه للإنسان العربي ولا حتى للأرض العربية , أطفالنا , نساؤنا ورجالنا تقتل في العراق وفي جنوب لبنان وفي غزة وفلسطين , والأرض العربية تحتل ونحن نتفرج ولا حياة لمن تنادي . لنعد الى الأستاذ طارق عزيز ونترك الأشجان ونتسأل اليوم : مالذي سيحدث لو أن الأستاذ طارق عزيز يعيش الأن في بلجيكا ويتمتع باللجوء السياسي مع عائلته , ليكتب لنا ذلك السياسي البارع حقائق التاريخ ؟؟؟...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية