.......أدخلوا موسوعاتهم "غيتس" وغيرها وحطموا أرقامهم القياسية،وعرّوا وافضحوا كل المتشدقين بحقوق الإنسان والديمقراطية من الأمريكان والأوروبيين الغربيين،فهذه معاير زائفة،يجري ترجمتها وفقاً لمصالحهم وأهدافهم وتطبيقها يخضع لانتقائية وازدواجية "وتعهير" ونفاق كبيرين.
أن يقضي الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال وزنازينه ثلاثين عاماً،يتعرض فيها لكل أشكال العذاب والحرمان والإذلال،فهذا شيء عادي،لا يحرك شيئاً عند دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية ،ولا يستفز ضمائرهم النائمة،ولا يجرؤون لا على التصريح أو التلميح بأن ما يجري خرق سافر وفاضح لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الوضعية والسماوية،أما أن يقضي جندي مقاتل في الأسر الفلسطيني ثلاثة أعوام،فهذا شيء غير مقبول ولا تقره لا القوانين الوضعية ولا السماوية،وهذا انتهاك وتطاول وعبث بكل الأعراف والقوانين والمعاير الإنسانية والدولية؟.
أي "عهر" ونفاق هذا يا أبناء الغرب "المحترمين" ليل نهار وألسنة حكامكم تطالب بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط" ووضع حد لمعاناته ومعاناة أسرته،ولم تتركوا لا محفلاً ولا لقاءً أو زيارة أو مقابلة،إلا وتحدثتم فيها عن ضرورة إطلاق سراح الجندي المأسور"شاليط"،أما الأحد عشر ألف أسير فلسطيني،والذين مائة وسبعة منهم مضى على وجودهم في المعتقلات والسجون الإسرائيلية أكثر من عشرين عاماً،منهم نائل وفخري البرغوثي وأكرم منصور والذين مضى عليهم ثلاثين عاماً في السجون الإسرائيلية،أي قبل ولادة"شاليط" وهم في سجون احتلال دولته،فلا يستحقون تصريحاً أو حتى دعوة إلى إسرائيل من أجل إطلاق سراحهم ووضع حد لمعاناتهم.
إخوتي ورفاقي في المعاناة نائل وفخري وأكرم،أكبر فيكم في هذا الزمن الصعب والرديء ثباتكم على مواقفكم،وكم كانت مواقفكم رائعة،تعبر عن أصالة انتماء ومسؤولية عالية تجاه أسرى شعبنا الفلسطيني وبالذات الجدد منهم،فكنتم المرشد والموجه والحاضن لهم،وغرستهم فيهم قيم المناضل الحقيقي،الذي يعطي بلا حدود ولا ينتظر مقابل نضاله ثمن مادي بخس،فاحترام المناضلين وثقتهم بكم،خير رأسمال ورصيد لكم،وعطاءكم لم يكن قصراً على أنفسكم،بل شمل محيطكم الاجتماعي من أسرة وأقارب،وفخري البرغوثي ضرب أروع الأمثلة والعطاء في النضال والتضحية،ولم يبخل على الثورة بشيء،بل وهبها كل ما يملك،ولم ينشد إلى ذاته أو مصالحه مثل الكثير من القيادات الفلسطينية،والتي تنأى بأبنائها عن السياسة أو دخول السجون الإسرائيلية،فرأسماله في الدنيا زوجة صابرة مناضلة وولدان هما شادي وهادي،على هدي ودرب والدهما التحقوا بالنضال،وليعتقلوا وليلتقوا بوالدهم بعد 27 عاماً في سجن عسقلان،وليكون لقاءاً مؤثراً بكى له الوالد والأولاد والكثيرين من الأسرى،وحتى هادي ابنه عندما خرج من السجن،كان دائماً يحثه على التمسك بقيم وأخلاق ومبادئ الثورة الأصيلة،وكان في"الفورة" أو ما يسمى بساحة التنزه للأسرى،عندما نخرج إليها وأكون عائداً من جلسة محكمة،يقول لي مازحاً"مش عيب يا أبو شادي" تسجن على توزيع لحمه وحلو،أما شريكه ورفيق دربه نائل البرغوثي" أبو النور" لم يتنازل عن حقوقه أبداً،من ملابس السجن والتي يصر على ارتدائها في كل المناسبات،وكان دائماً يقول للأسرى الجدد،لا تتخلوا عن حقوقكم من إدارة السجون أبداً،وهذه الملابس دفعت الحركة الأسيرة في سبيلها دماء وتضحيات،"وأبو النور" لم يفقد البوصلة أبداً ورغم الغصة والغضب من السلطة والأحزاب،والذين قصروا كثيراً بحق أسرانا،فهو على قناعة راسخة بأن هذا الشعب سيحقق أهدافه في الحرية والاستقلال،ويرى أن لا جدوى ولا فائدة ترجى من نهج وطريق التفاوض،وهذا النهج أثبت فشله وعدم جدواه،وهو لم يفلح في تحرير أي من الأسرى خارج إطار التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية،وهو يمني النفس بالتحرر من السجن،بما يليق بالأسير الفلسطيني من عزة وكرامة،وبما لا يخدش أو يمس قيمه أو ينتقص من نضالاته،:وأبو النور" الذي تراه كالأسد يخرج من عرينه في الصباح الباكر،لكي يقود الطابور الصباحي في رياضة الجري،واضعاً على أذنيه سماعة لجهاز "راديو" صغير يحمله معه لمتابعة آخر التطورات السياسية،وكذلك يتفاعل مع الأسرى لمعرفة آخر المستجدات على صعيد الحركة الأسيرة،أما المناضل أكرم منصور"الوحش" والذي يحتفظ ببنية جسمانية صلبة،عندما نمازحه ونقول له يا "وحش" الأولوية في قائمة التبادل للإحكام العالية والمؤبدات،أما أنت فبإمكانك أن تقضي بقية حكمك في المعتقل،وكان يرد علينا بصوته الهادر من أمضى 28 عاماً في تلك الفترة (2006) ،يقضى السبع سنوات الباقية يا "أبو شادي" أما أنت وأمثالك من حسام شاهين وناصر أبو خضير وغيركم من الأسرى الجدد،الذين لم يجف "بولهم" في الخارج بعد تأتون للمزايدة علينا سنة أو سنتين وتغادرون،لو أن إدارة السجن تقبل أن آخذ أحكامكم وتريحنا منكم،"والوحش" كما هو صلب جسمانياً،فهو صلب في مواقفه وإرادته،رفضت إدارة السجون والقيادة السياسية الإسرائيلية،أن يدرج اسمه ضمن أي صفقة تبادل أحادية الجانب.
ثلاثون عاماً ونيف لم تلن لكم قناة أو تضعف لك مهمة،بل لكم من المعنويات والصلابة ما يوزع على جميع الأسرى ويستنهض الحجر قبل البشر،ثلاثون عاماً لم تفقدوا الاتجاه ولا البوصلة،وليت قيادات هذا الشعب الفلسطيني بمختلف ألوان طيفه السياسي،تتعلم وتتعظ منكم بأن مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب والقبيلة.
ثلاثون عاماً وثلاثون ألف وسمة عار على جبين كل ما يسئ بمؤسسات حقوق الإنسان والديمقراطية،مؤسسات تنتهك تحت سمعها وبصرها حقوق الإنسان،وتصمت صمت القبور،فحقوق الإنسان عندها ليس قيم ومعايير إنسانية لكل البشر،وواجب الجميع احترامها والحرص عليها،بل معايير وقيم انتقائية،بقدر ما تخدم أهدافها ومصالحها تهب للدفاع عنها،وما دون ذلك ليس لها علاقة به من قريب أو بعيد.
أكثر من ثلاثين ألف يوم تجرعتم فيها كل أشكال الذل والمهانة والمعاناة والقمع في سجون الاحتلال،لم تحرك ساكناً لا عند "ساركوزي ولا"بلير" ولا "براون " ولا "أوباما" ولا "ميركل" ...الخ،من جوقة المطبلين والمتشدقين بحقوق الإنسان والديمقراطية،ولكن أسر جندي محتل ومقاتل من قبل المقاومة الفلسطينية،كان كاف لكي يتحرك الغرب المنافق على أعلى مستوياته السياسية،والتجند من أجل إطلاق سراحه،ودون ذكر لأي من معانيات الأسرى الفلسطينيين،أو حتى دعوة إسرائيل إلى ضرورة إطلاق سراحهم ،كدلائل ورغبة جدية بالسلام الذي يتشدقون ليل نهار بتقديم تنازلات مؤلمة من أجله،ولنكتشف أن هذه التنازلات لا تتعدي إزالة "كومة" تراب من مدخل قرية فلسطينية ،أو إزالة حاجز عسكري طيار.
نائل وفخري وأكرم أنتم عنوان عزتنا وكرامتنا،وأنتم يجب أن تكونوا وغيركم من أسرى ما قبل مرحلة أوسلو على رأس قائمة الأسرى المطلوب إطلاق سراحهم في أية صفقة تبادل بالجندي المأسور "شاليط" وهذا أقل جميل يرده لكم شعبكم وثورتكم.
القدس- فلسطين
3/8/2009
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية