نحن العرب لدينا قابلية كبيرة للانخداع، ونتخادع فيما بيننا، فيخدع بعضُنا بعضاً، ونرضى بأن يخدعنا أعداؤنا، ليس لأننا نفتقر إلى الوعي والفطنة والحكمة، بل لأننا نجيد التنصل من المسؤولية، ونفضل الفرار من المواجهة، ونلوم غيرنا على أخطائنا.
ومما يزيد من قابليتنا للانخداع أن لدينا ذاكرة قصيرة جداً، فنحن نميل إلى نسيان الماضي وعدم استقرائه أو أخذ العبر من أحداثه، ليس لأننا نريد استجماع قوانا والانطلاق بروح متحررة من أوزار الماضي وأغلاله الثقيلة، وليس لأننا نريد فتح صفحة بيضاء نسطر عليها أمجاداً تمحو بؤس الماضي، بل لأننا نحب التهرب من المسؤولية والفرار من المواجهة. فنحن دائما نحب الهروب إلى الأمام، ونريد فقط أن نعيش حياتنا بأي طريقة وبأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن حريتنا وكرامتنا وإنسانيتنا. ويعود ذلك إلى حبنا للدنيا، حباً شديداً يدفعنا إلى الرضوخ للواقع والاستسلام له، وإلى كرهنا للبذل والتضحية والعطاء.
لا أقول هذه الكلمات يأساً أو تيئيساً، ولا إحباطاً أو تثبيطاً، ولكن أقولها لحث القارئ الكريم على التأمل والتفكر في حال أمتنا، وهو حال يقضُّ مضجع كل غيور عليها وعلى أبنائها، ولمحاولة وضع اليد على أسباب تخاذلنا وتقاعسنا عن نصرة قضايا أمتنا المصيرية، وعلى رأسها قضية فلسطين، ولا سيما أن القدس العربية تتعرض اليوم لهجوم صهيوني بشع وخطير، يهدد المسجد الأقصى المبارك والرموز والمقدسات الإسلامية الأخرى في القدس، ويهدد الوجود العربي والإسلامي فيها. كما أقول هذه الكلمات لتذكير العرب والمسلمين بضرورة الخروج من حالة العقم والجمود والشلل السياسي التي تمر بها أمتنا، حتى نستطيع مواجهة العدو الصهيوني المدعوم غربياً، والتصدي لكل الجهات التي تمنع الشعب العربي من القيام بمسؤوليته تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني، وتجاه القضايا العربية والإسلامية الأخرى.
نعم نحن ننخدع بسهولة، وقد ضاعت لحانا بين بوش وأوباما، فذاك اعتدى علينا واحتل بلادنا، وعاث فيها تقتيلاً وتخريباً وإفساداً، وهذا جاء ليضحك على ذقوننا ويوهمنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية صديقة لنا، وأنها لا تعتدي علينا، ولا تقتلنا، ولا تحتل أرضنا وبلادنا، ولا تحاصرنا في كل مكان، ولا تدعم الكيان الصهيوني المجرم، ولا تدعم أنظمة الطاغوت التي تحكم بلادنا وتقمع شعوبنا، ولا تنهب ثرواتنا، ولا تحاربنا في ديننا من أجل الهيمنة على بلادنا العربية والإسلامية. إنها حالة مستعصية من الانخداع الذي يصيبنا بالشلل التام، ويجعلنا غير قادرين على مواجهة العدوان والدفاع عن أنفسنا.
أيها العرب جميعاً: لماذا نصدق الكلمات المعسولة ونكذب الواقع المسموم؟!!، ولماذا نميل دائماً إلى تكذيب ما تراه أعيننا يقيناً وتصديق الأكاذيب والأوهام؟!!، ولماذا نجزئ قضيتنا الكبيرة إلى قضايا فرعية صغيرة ونضحك على أنفسنا؟!!، ولماذا نلدغ من الجحر ذاته ألف مرة؟!!، ولماذا نكرر أخطاءنا ولا نتعظ منها قط وأبداً؟!!، ولماذا نتصرف بمعزل عن الواقع والمكان والزمان والظروف الدولية والمحلية والإقليمية؟!!، ولماذا لا يساوي شيئاً عندنا فشل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين في الحرب على أمتنا، في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان والصومال وغيرها، وننظر إلى الولايات المتحدة في كل الأحوال على أنها سيدتنا التي لا مناص لنا من طاعتها والخضوع لإرادتها والاستسلام لها؟!!، ولماذا نتهرب من مواجهة الحقيقة واستحقاقاتها ونجامل كثيراً على حساب كرامتنا وإنسانيتنا؟!!.
ومن مظاهر انخداعنا: التعويل على ما يوصف بالشرعية الدولية في استعادة حقوقنا المسلوبة وتحرير بلادنا المحتلة وكف العدوان علينا، وإحسان الظن بجامعة الدول العربية وبالأنظمة لعربية والاعتماد عليها، والاعتقاد بأن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية ستحرر لنا فلسطين وتحقق للشعب الفلسطيني ما يطمح إليه، والظن بأن الصراع العربي - الصهيوني سينتهي دون إفشال المشروع الصهيوني نهائياً وطرد اليهود والصهاينة المغتصبين من فلسطين، والاعتقاد بأنه يمكن تحقيق مصالحة مع الجهات التي تتلقى الدعم والأموال من أعدائنا مقابل خيانتها، التعويل على تغيير الموقف الغربي من حركات المقاومة دون تخليها التام ولو في مراحل لاحقة وبشكل متدحرج عن الثوابت والمبادئ والحقوق، والاعتقاد بأننا نستطيع حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً في ظل الأنظمة العربية الحالية، ... وهكذا.
ولذلك علينا أن نكف عن الانخداع وخداع أنفسنا، وإلا فإن سنن الله عز وجل ماضية فينا، وعندها لا ينفعنا الندم.
31/7/2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية