أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل تعرف كيف لعب نبيل فياض الكرة الطائرة مع نظام الأسد في ملعب الأمم المتحدة؟

صورة مدمجة لفياض والأسد - زمان الوصل

اسمها "خديجة".. تلك التي انتقدها "نبيل فياض" وجرته لتعداد خدماته التي قدمها للنظام وللعلويين بالذات بحسب تعبيره، رغم أنها علوية وتشاركه الولاء المدقع للأسد.

بدأت القصة من منشور غير غريب على تاريخ الرجل الذي يصف نفسه بالمفكر الحر والعلماني، بل إن منسوب هذا المنشور قياسا لمعظم كتاباته يعد "متواضعا" في تطرفه وانحطاطه، أقلها لخلوه من مفردات الشتم والتحقير المباشر التي تعد من لوازم الكتابة لدى "فياض".
ومع ذلك، ولسبب غير معلوم منطقيا، أخذ منشور "فياض" صدى غير مسبوق، أثار جدلا بل واستياء في أوساط موالين قبل المعارضين، كان من بينهم "خديجة منصور" المحامية المتحدرة من طرطوس، والتي دعت لمحاكمة الرجل على ما تضمنه منشوره، بوصفه يشق الصف ويخلق الفتنة (كونه يتحدث عن سوريتين يستحيل لإحداهما أن تتعايش مع الأخرى).. فتنة كثيرا ما يظهر أتباع الأسد خوفهم من بللها بينما سوريا غارقة فيها حتى أذنيها!

هنا، ومن بين كل من هاجموه أو حتى شتموه، لم يلفت انتباه "فياض" إلا "خديجة منصور" التي دعت –وللمفارقة- إلى سلوك طريق "القانون" ومحاكمة الرجل على ما قال، بخلاف كثيرين ممن دعوا إلى تصفيته أو إسكات صوته النشاز، وكان من المفترض أن يثير هؤلاء حنق "فياض" وليس "خديجة منصور".

لكن ولغاية غير معلومة تماما، ربما من أجل صب مزيد من الزيت على نار الإثارة، عمد "فياض" للرد على المحامية الطرطوسية وحدها، وعبر منشور طويل تحدث فيه بلغة "المنّ" عن سلسلة من الخدمات التي أسداها للنظام، مستخدمين (هو والنظام) التقنية الشهيرة في لعبة الطائرة، حيث يتولى لاعب معين رفع وتجهيز الكرة بينما يقوم الآخر بضربها بشكل ساحق نحو ملعب الخصم.
ولعل الكشف عن هذه "التقنية" بشكل غير مباشر، هو أهم ما جاء في سرد "فياض"، بينما كان يمتن على "خديجة" و"جماعتها"، ويذكرهم –مقرّعا- بعينات مما قدمه للعلويين ولنظام يدعي انتماءه لهم وحمايتهم، وهي "تقنية" أمعن "فياض" وتفنن في استخدامها، حتى تبين أن لقب "مفكر فرع فلسطين" الذي يطلقه البعض عليه كناية عن تبعيته المخابراتية، ما هو إلا لقب مخفف، إذ إن أعمال "فياض" -وفق إقراره هو- تفوق عمل فرع أو أكثر من وزن "فرع فلسطين"، وعليه فإن الرجل ليست تابعا للمخابرات كما كان يشاع بل هو المخابرات بعينها.

*بدعوة من بيلاي
يقول "فياض" كاشفا عن تقنية "أنا أرفع وأنت تضرب" (سنسميها اختصارا القاعدة أو التقنية الفولوبولية نسبة إلى كلمة Volley ball)،التي لعبها والنظام سوية طوال سنوات.. يقول إنه ومنذ ربيع 2012 تولى نقل "معاناة الشعب السوري" إلى جميع المحافل، بما في ذلك الأمم المتحدة في جنيف ومراكز القرار في واشنطن.

ويعدد "فياض" عينات من مجهوداته في هذا السبيل، ومنها ما يعود إلى ما قبل سنوات الثورة، حيث يتفاخر بأنه: "نجحت حين كنت في واشنطن بطلب رسمي سوري عام 2005 في إنهاء ظاهرة فريد الغادري ومنع الضربة على سوريا بعد جهد استمر طويلا".

لكن هذه ليست سوى خدمة بسيطة في مقابل ما قدمه "فياض" للنظام بعد اندلاع الثورة، مستفيدا من تصنيفه كناشط في مجال حقوق الإنسان ومدافع عن الحريات والأقليات، ومن ذلك قيامه بتعميم صورة ضابط من النظام قطعت رأسه وشويت على النار، من قبل المعارضة حسب زعمه.. مؤكدا "أخذت الصورة وعممتها في عواصم الغرب".

 وفي ربيع 2012، لعب "الناشط والمفكر الحر" نفس الدور، حين تولى –بدلا عن النظام- عرض شريط أمام الأمم المتحدة، ينسب لشخص من إدلب ينشد متوعدا بذبح العلوية (فياض تجنب في كلامه لخديجة منصور ذكر العلوية، بل قال إن المتوعدين بالذبح كانوا هم الشيعة).

ومن خدمات "فياض" التي عددها بلهجة العاتب والمطعون ممن دافع عنهم، قوله إنه طلب من صديق له صنع فيلم عن "الجرائم الطائفية"، ونسخ عنه مئات النسخ ليقوم بعد ذلك بتوزيعها في جنيف يوم 14 آذار 2014.

لكن أخطر ما باح به "فياض"، والذي يكشف حجم تورط الأمم المتحدة وكثير من شخوصها وممثليها ومنظماتها، قوله إنه كان يأخذ و"بطلب من نافي بيلاي"، مفوضة حقوق الإنسان السابقة.. يأخذ "معنفين إلى الأمم المتحدة في بيروت كي يحكوا وللمرة الأولى عن ممارسات الإرهاب بحقهم"، ومن غير الضروري لكل من يعرف توجهات "فياض" أن نشرح له من هو "الشعب السوري" الذي نقل "معاناته"، ولا من هم "المعنفون" و"ضحايا الإرهاب" الذين كرس جهوده لهم، وآزرته في ذلك الأمم المتحدة، فهذا ليس محور حديثنا، ولن ندعه يغطي على "الحيثية" الأخطر المتمثلة في تصنيع النظام لـ"النشطاء" و"المفكرين"، ليكونوا الأداة التي يسدد بها كراته إلى ملاعب المحافل الدولية، بعد أن يكون قد "جهز" تلك الكرات بمعرفته وخبرته.

*مواصفات خاصة
أما لماذا يحتاج النظام لأمثال فياض وللتقنية "الفولوبولية" تحديدا، فلأن لذلك فوائد جمة لهذا النظام بل وحتى لمن تواطؤوا معه من المسؤولين الأمميين، فحين يقول "فياض" وأشباهه إن هناك مذابح بحق الأقليات (والعلويين تحديدا)، فإن "ناشطا مستقلا" و"مفكرا حرا" هو الذي يقول وليس النظام، وحين تقبل المنظمات الأممية بهذه الأقوال وتتبناها، فإنما هي تأخذ بشهادة "ناشط مستقل" و"مفكر حر"، إذ حاش لمنظمة بحجم ومهام الأمم المتحدة أن تأخذ بقول حكومة ديكتاتورية أو نظام مجرم!

هذا أولا، أما ثانيا فإن لـ"فياض" بالذات مواصفات خاصة، تؤهله في عيون النظام والأمم المتحدة للحديث عن "المذابح الطائفية"، فالرجل حسب الكليشية المعتمدة والثابتة له "علماني"، أي في أضعف الاحتمالات يقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمذاهب، رغم أن كل كتابات "فياض" بهذا الخصوص تنضح بالعكس، و"علمانيته" ليس لها مكان ولا استخدام إلا عندما يعوزه الهجوم المتطرف على "السنة"، أما بخصوص العلويين والشيعة، فلا يمكن لأحد أن يبز الرجل في الاستماتة بالدفاع عنهم ولا هم أنفسهم، حتى إنه يقول في ذات منشوره الموجه لخديجة منصور، وبالحرف الواحد: "لقد آذاني للغاية وضمن كل هذا التسونامي الهجومي كلام تلك المحامية الطرطوسية، لأني لم أدافع عن حق جماعة بالعيش أكثر من العلويين، وقت كانوا يقتلون على الهوية" (هل يسمح لنا عدم تشكيل فياض لكلمة "يقتلون" أن نقرأها كما هو الواقع، مبنية للمعلوم وليس للمجهول؟).
وفي خلاصة هذه الجزئية، نرى مدى إفادة نظام الأسد من "فياض" وأمثاله في تطبيق القاعدة الفولوبولية بمباركة، أو في أضعف الإيمان، بغفلة من الأمم المتحدة ومختلف منظماتها المنخرطة في الملف السوري..

ولكن ما علاقة اعترافات "فياض" بالوثيقة التي أشرنا لها في القسم الأول، والتي أعطت دليلا رسميا ودامغا على تورط النظام في دس سم المتطرفين داخل عسل الثورة، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الشرارة الفعلية في درعا يوم 18 آذار/مارس 2011 (للاستزادة والمراجعة: 

يبدو إطلاق المتطرفين ودسهم في صفوف الثورة، رأس حربة في خطة لاتكتمل إلا بتنفيذ القاعدة الفولوبولية، وبوجود أشخاص من عينة "فياض"، وهنا لا يكتفي النظام بتجهيز وإعداد "الكرات" المتلاحقة لفياض، عبر إطلاق متشددين حقيقيين رعاهم في سجونه وصنعهم على عين مخابراته، بل إنه يعد له أيضا "كرات" من متشددين وهميين يستعير لهم الذقون ويلقنهم الخطب ويؤمن لهم الزي اللازم، ثم يوقفهم أمام الكاميرات ليسجلوا صور ومقاطع التطرف والهمجية واحدا تلو الآخر، وهنا ينقض "فياض" على تلك الصور والمقاطع مُعملا فيها توزيعا على كل من تعنيه "حقوق الإنسان" في سوريا، وكل من يرصد "جرائم الحرب" فيها، فتتقبلها بعض المنظمات بقبول حسن وتصفق لها دون خجل أو تستر، بينما تلجأ تلك التي تدعي التوازن والحيادية بضمها كدليل، يثبت انتهاكات "المعارضة" في مقابل انتهاكات النظام، وهكذا يتحقق -في عرفها- "التوازن" الذي تبحث عته تلك المنظمات وترفعه شعارا لها.

لايمكن لأي سوري، وأنا أولهم، أن يدعي أن كل من حملتهم الثورة السورية وتحملتهم من متطرفين، هم من تربية نظام الأسد وخريجي سجونه، أو من القسم الآخر المفبرك في استوديوهات مخابراته، فهناك قسم خارج هذين التصنيفين ابتليت به الثورة ولم تجهد أحيانا في تنحيته، ولكنه في النهاية يبقى شريحة هامشية أمام الفئتين الأولى والثانية المدموغة بختم الأسد، والتي عايشها السوريون في كل مراحل ثورتهم، عندما كانوا يتظاهرون سلميا فيخرج عليهم صاحب لحية مفبركة لـ"يجعر" داعيا للجهاد، وما يلبث المتظاهرون أن يكتشفوا أنه عنصر مخابرات، وكذلك عندما حملوا السلاح وشكلوا الكتائب، فتكاثرت بأسرع من نمو الفطر مقاطع وبيانات انشقاق وتشكيل سرايا وفصائل وهمية، وتبين لاحقا أن أصحابها الملتحين المكبرين لم يكونوا سوى "ضفادع" ضمن مستنقع الأسد.

*مسموحة فقط في العالم الثالث
اللافت أن "فياض" ونظامه استطاعا تسويق صور ومقاطع، لايمكن الجزم بصحة أو موثوقية كثير منها، بل إن الأصل هو التشكيك فيها، لأنها صادرة من نظام لم يخجل وزير خارجيته يوما أن يبث أمام مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية مقطعا مصورا قال إنه يظهر العصابات المسلحة في سوريا، بينما تبين سريعا أنه ملتقط في لبنان (كان هذا في وقت لم تزل المظاهرات سلمية تخرج بالورود والماء، ويعاد حاملوها بالنعوش كما حال غياث مطر).

"نجح" النظام في تسويق كثير من المفبرك والمشوه، بينما فشلت المعارضة في تسويق كثير من الحقيقي، والسبب ليس فقط ضعف المعارضة وتهافت قسم من شخوصها الذين تصدروا، فهذا تحميل للأمر أكثر مما يحتمل رغم أن التفكك والتهافت في صفوف المعارضة شأن مفروغ منه.

لقد "نجح" النظام هنا بالتحديد بفضل "فياض" وأمثاله، الذين كانوا أمناء و"محترفين" في تطبيق قاعدة: "أنا أجهز وأنت تسدد"، التي أسميناها مجازا القاعدة الفولوبولية، و"نجح" أيضا بفضل تواطؤ مؤسسات كثيرة من "المجتمع الدولي" مع النظام، تحت ستار أنه ما زال من الناحية القانونية يمثل "الممثل الشرعي للدولة السورية"، وهنا جاءت طامة أخرى، حيث كان النظام ومازال قادرا على ضم أي صور أو مقاطع أو شهادات، مفبركة أو غيرها، لأي ملف يخص الشأن السوري، دون أن يعارضه أحد، فهو يضرب بسيف القانون الدولي والشرعية التي لم تنزع للحظة واحدة عنه في المؤسسات الفاعلة دوليا (بالمناسبة، قصة طرده من الجامعة العربية تساوي في قيمتها وزن الجامعة العربية نفسها، وهي التي لا وزن لها ولا فاعلية!).

وفيما كان النظام وما يزال قادرا على ضم أي أوراق يرغب بها إلى أي ملف، ليشوش عليه أو يحرفه أو حتى يقلبه، بقيت المعارضة غير قادرة على ذلك إلا بشق الأنفس، وإن استطاعت أحيانا فإن الضم يكون من باب "رفع العتب"، وهنا فرق أساسي كبير ومميت أيضا، كالفرق تماما بين التوجيهات والأوامر من جهة، والتوصيات والإرشادات من جهة أخرى.

لقد بح صوت "نبيل فياض" وهو يصرخ في كل مناسبة بأنه مهدد من الإرهابيين والمتطرفين، وأنه عازم على اللجوء إلى بلاد "تحترمه" و"تقدر" طروحاته، لكنه سرعان ما كان يلحس كل ذلك ويصر على التشبث بنظامه تحت ستار التشبث بسوريا، وعدم تركها لـ"المتخلفين".
وحتى عندما كان يخرج إلى عواصم ومدن العالم المختلفة (كوبنهاغن، واشنطن، جنيف...)، ليتغنى بتحضرها ويبدي نقمته على "انحطاط العرب"، كان "فياض" سرعان ما يعود إلى سوريا، وكأنه أسير أمر عمليات، ومتعاقد على تنفيذ "مهمة" لايمكن له التخلي عنها.. ولاننسى أخيرا أن العالم "المتحضر" لن يسمح له بلعب الكرة الطائرة فوق أراضيه، لأن الكرة الطائرة على طريقة الأسد-فياض فقط مسموحة ضمن بلدان "العالم الثالث"، وعندما يكون من يتلقى الضربات الساحقة من شعوب هذا العالم تحديدا.

إيثار عبد الحق-زمان الوصل-خاص
(309)    هل أعجبتك المقالة (289)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي