كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه في منتصف تشرين الأول أكتوبر، وبينما كان التوتر في بغداد يتصاعد في ظل الأجواء المشحونة بين الشعب والحكومة، جاء "قاسم سليماني" قائد فيلق "القدس" في الحرس الثوري الإيراني متخفيا إلى بغداد بهدف تثبيت حكومة عادل عبد المهدي، ووضع خطط لقمع الانتفاضة الشعبية التي تهدد نفوذ طهران في العراق.
وبحسب الصحيفة اجتمع "سليماني" مع حليف في البرلمان لإقناعه بدعم بقاء عبد المهدي في منصبه.
وبحسب وثائق الصحيفة وتقد بـ "700 صفحة" فإن دور "سليماني" في العراق أكبر من ترتيب التحالفات ما بين القوى السياسية، وفقد استطاعت طهران بناء شبكة جواسيس وعملاء زرعوا في مؤسسات سياسية واقتصادية وحتى دينية مهمة في العراق، مشيرة إلى أن سليماني كان له الدور الأساسي في تعزيز نفوذ طهران داخل العراق.
وتضم الوثائق مئات التقارير والمراسلات التي كتبت خلال 2014-2015 من قبل ضباط في الاستخبارات والأمن في إيران (M.O.I.S.)، وآخرون يعلمون في الميدان في العراق.
وتقدم الوثائق لمحة من داخل النظام الإيراني عن كيفية فرض الهيمنة بشكل تدريجي على العراق بعد عام 2003، مشيرة إلى أن إيران تفوقت على الولايات المتحدة في بسط نفوذها داخل العراق، ففي الوقت الذي كانت تتصارع فيه واشنطن مع الفصائل المختلفة لدعم استقرار العراق، عملت طهران على تثبيت أذرعها ونفوذها لتفرض تحديات جديدة في داخل البلاد.
وكأي عمل جاسوسي، أظهرت الوثائق أن الاجتماعات لطالما كان يتم تنسيقها داخل أزقة مظلمة أو مراكز تجارية أو خلال رحلات صيد وحتى خلال حفلات عيد ميلاد.
وكشفت الوثائق كيف كان المخبرون والعملاء يتلقون المقابل عن عملهم لصالح إيران، سوا أكان بهدايا من الفستق والعطر والزعفران، أو بتقديم الرشاوى لمسؤولين عراقيين، وحتى نفقات مصاريف لضباط في الاستخبارات العراقية.
وعلى سبيل المثال، تنقل إحدى البرقيات، أن عادل عبدالمهدي الذي كان يعمل مع إيران من منفاه عن كثب في حقبة الرئيس صدام حسين، كان له علاقة خاصة مع طهران، خصوصا عندما كان وزيرا للنفط في العراق في 2014 (من دون توصيف طبيعة العلاقة الخاصة).
وتظهر البرقيات، أن الحرس الثوري وتحديدا الفرقة (فيلق القدس) التي يتزعمها اللواء سليماني هي من تشرف على وضع سياسات إيران في العراق ولبنان وسوريا وهي الدول التي تعد الأكثر حساسية لطهران، وتعيين السفراء بهذه الدول عادة لا يكون من السلك الدبلوماسي إنما من الرتب العليا في الحرس الثوري الإيراني.
وتشير الوثائق إلى أن "زراعة" المسؤولين العراقيين الموالين لإيران كانت أمرا هاما، والذي سهلها إقامة التحالفات مع العديد من القادة الذين كانوا ينتمون إلى جماعات معارضة للرئيس المخلوع "صدام حسين".
ورغم أن التحقيق المنشور يصف بعض الوثائق بالهزلية أو المضحكة مثل اقتحام جواسيس إيرانيين لمعهد ثقافي ألماني في العراق عادوا منه خالي الوفاض لعدم تمكنهم من فتح الخزنة التي كانوا يمتلكون أرقامها السرية، ولكنها كانت خاطئة على ما يبدو، إلا أن بعض الوثائق كانت في غاية الأهمية خاصة تلك التي تكشف عن شخصية عملاء وجواسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية والذين يمتازون بالصبر والاحتراف والمهنية.
وذهب تحقيق الصحيفة إلى أنه ربما كانت إيران قد خسرت أمام الولايات المتحدة في السيطرة على بغداد في مراحل معينة، ولكنها استطاعت كسب تأييد العديد من المناطق الجنوبية خاصة تلك التي تتبع الطائفة الشيعية، وفتحت طهران في العديد من المكاتب الدينية في المدن المقدسة ونشرت صورا لأية الله الخميني في الشوارع، وأرسلت العديد من الطلبة الإيرانيين للدراسة في العراق، كما أرسل عمال بناء لإنشاء فنادق وتجديد الأضرحة.
وزاد أن صعود إيران كلاعب قوي في العراق كانت واشنطن أحد أسبابه، إذا لم يكن لديها خطة واضحة بعد إزالة النظام السابق، والسنوات الأولى التي تلت سقوط الرئيس المخلوع صدام حسين كانت فوضوية فلا أمن أو ماء أو كهرباء.
ويقول التحقيق إنه ربما كان ن بين أكثر السياسيات الأميركية الأكثر كارثية على العراق تفكيك القوات المسلحة العراقية وحملة التطهير لأي من أعضاء حزب البعث في عهد صدام، والتي همش فيها معظم رجال الطائفة السنية، ما جعلهم فيما بعد عاطلين عن العمل وساخطين على ما يحدث في البلاد، ودفع إلى استهداف الأميركيين وأبناء الطائفة الشيعية باعتبارهما سواء.
وتكشف وثائق وزارة الاستخبارات الإيرانية المسربة أن طهران استفادت من الفرص التي منحتها إياها الولايات المتحدة في العراق، وعلى سبيل المثال استحوذت إيران على شبكة العملاء والمخبرين الذين كانوا يتبعون وكالة الاستخبارات الأميركية والتي استغنت عنهم واشنطن بعد 2011، ليخبروا الإيرانيين بكل ما يعرفونه عن عمليات الاستخبارات الأميركية في البلاد، إذ إن الولايات المتحدة لم تنتبه إلى أنها تخلت عن مخبرين في بلد يعاني اقتصاديا وهم يحتاجون إلى الحماية والمال.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية