أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حكومة الإنقاذ واقع ومآلات

إن حكومة اللون الواحد والصبغة السوداوية للمستقبل جعلت الشرخ كبيراً - جيتي

كلما زادت الأطراف المتحاربة، وانعدمت الإدارة الحاكمة، كلما وهنت المؤسسات وتلاشت، وفي ظل غياب إطار الدولة، تحاول الفصائل الثورية إنتاج مؤسسات سياسية تسعى لتلميع صورتها وحشد التأييد الشعبي لها، وتصبح هذه المؤسسات الناطق الرسمي باسم الحركات الثورية المفاوضَ باسمها.

والمتابع للثورات والصراعات في أغلب بؤر التوتر، يعرف أحزاباً سياسية ممثلة لحركات ثورية وفصائل مسلحة، ولا تعتبر المناطق التي تسمى اصطلاحاً "المحررة" في الشمال السوري حالة شاذة بإفرازها أكثر من حكومة في بقعة جغرافية صغيرة، وسنسلط الضوء على حكومة الإنقاذ ما لها وما عليها.

تعتبر حكومة الإنقاذ من مفرزات أعمال المؤتمر التأسيسي، المنعقد في الداخل السوري أواخر عام 2017 الذي سبقه حشد ودعوات لكل الأطراف الفاعلة في الداخل، بهدف حصر التمثيل للثورة السورية بالداخل فقط.

لكن اعتذار جهات محسوبة على بعض الفصائل عن الحضور، وتخوف الكثير من الأكاديميين من تصنيفات الإرهاب، وما يتلوها من عواقب وخيمة، جعل صبغة هذه الحكومة "هيئة تحرير الشام".

وعلى الرغم من محاولات الوزراء في تلك الفترة تأكيد استقلاليتهم ومحاولتهم الجاهدة لتشكيل مؤسسات إدارية مستقلة عن العسكرة، بقي تصنيف الإرهاب محيطا بالحكومة، وتمت المقاطعة الدولية والمنظماتية لها، وكذلك حدث صدام مباشر مع بعض أمراء الهيئة المتنفذين داخل السلطة الأمنية، والذين تضررت مصالحهم باستحداث رقابة إدارية، مما دفع رئيس الحكومة لتقديم استقالته أكثر من مرة وعودته عن الاستقالة، ولكن هذا لم يعفِ النافذين في "هيئة تحرير الشام" من إعادة تشكيل حكومة جديدة تحت وصاية مباشرة من قبل بعض المجاهيل "أبو طه، أبو أسامة 30"، وفي هذه المرحلة الجديدة بدأ التصادم الحقيقي بين حكومة الإنقاذ وشارع الثورة العريض.

ولعل السبب الرئيس لهذا التصادم هو: بحثت الحكومة عن موارد تشغيلية لمفاصلها، بعيداً عن أموال الهيئة المحجوبة عنها أصلاً، ونتيجة ضعف الثروات الباطنية والمداخيل الخارجية، كانت الطريقة الوحيدة للتمويل بفرض الضرائب تحت سلطة العسكرة، مما فتح الباب أمام إبداع الكثيرين، فتم تعميم المخصص، ومشاركة أصحاب التجارات والصناعات، بالإضافة لاحتكار تجارات متعددة معيدين للأذهان فرضية رامي مخلوف العتيقة، وبعض الوزراء لجأ إلى الشرع لإحداث هيئة للزكاة متعددة الموارد، وخصصت مصارفها في العاملين عليها.

بالإضافة للضرائب هناك أمران آخران جعلا الثقة مهتزة بين هذه الحكومة وشارعها المفترض هما: الأول: الصمت الإعلامي والإبهام في الحديث عن المستقبل، وشرح الواقع ونحن إلى أين؟ والثاني: الحوادث الأمنية والخروقات التي تصدر عن عناصر الهيئة، وعدم وجود ردة فعل مناسبة تتماشى مع الحدث وعدم القدرة على التعامل معها.

إن حكومة اللون الواحد والصبغة السوداوية للمستقبل جعلت الشرخ كبيراً بين حكومة لا تنقذ نفسها، وبين مجتمع يرى إنقاذه في إسقاط هذه الحكومة.

وهذا الشارع الذي ينتظر خلاصه من هذه الحكومة عبر بوابة التدخل التركي، ويرى أنها أضحت حجر عثرة في طريق ثورتنا، وهو موقن بأن حلم الحرية سيبقى بعيداً عنه طالما رضي الواقع والخنوع ولم يعبر عن تطلعاته وحرية خياراته.

إن انتظار الخلاص من جهة خارجية يشبه انتظار الخلاص من آل الأسد، وإن أي تبديل للوجوه لا يغير سياسة الحكومة لأن المرجعية هي "هيئة تحرير الشام".

والمراقب لمآل الأمور ينتظر إشارة واضحة لما خفي من التفاهمات الدولية القادمة للمنطقة بشكل عام، وإدلب بشكل خاص، والكل يسأل إلى أين؟

أسامة عبد الرزاق - إدلب - زمان الوصل
(133)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي