صدُم المواطن اللبناني، وما زال، وخاصة الموالي لفريق 14 آذار بتقلبات النائب جنبلاط الأخيرة، وذلك بالرغم من كونه قد اعتاد تقلباته ومزاجيته في ممارسته السياسية بشكل عام. ولكنه بات يتساءل اليوم حول الأسباب التي تفسر برماته الجديدة الدراماتيكية، وحول المدى الذي ينوي الذهاب إليه عبر برماته هذه.
ولقد ذهب بعض المراقبون إلى أبعد من ذلك طارحين إمكانية أو احتمال ارتماء الزعيم الدرزي في أحضان فريق 8 آذار، وخروجه من صفوف فريق 14 آذار بالكامل. أما هو فما زال يصر على كونه من أهم أركان هذا التجمع، وبأنه "لم يتغير" على حد ما صرح به لوسائل الإعلام في الأيام الماضية.
وللتذكير فلقد بدأ الزعيم الدرزي هجومه المركز على الحلفاء قبيل الانتخابات اللبناني عندما نعت طائفة واسعة من أللبنانين المؤيدين له (جزء من الموارنة)، ب"بالجنس العاطل" ثم لم يلبث أن ارتد بتعابيره اللاذعة على الحلفاء السنة ناعتا إياهم "بالجبناء".
ومن بعدها انبرى يدافع عن حزب الله عند خروج خبر في صحيفة دير شبيغل الألمانية والذي أشار إلى احتمال ورود اتهام لبعض الجهات في حزب الله من قبل لجنة التحقيق الدولية ضمن القرار الظني المتوقع صدوره خلال الشهر المقبل.
فاعتبر أن هكذا اتهام يهدد السلم الأهلي في لبنان، وأنه بمثابة "بوسطة عين الرمانة" الشهيرة والتي شكلت نقطة انطلاق الحرب الأهلية في لبنان (حرب 75). أما مسك الختام فكان بإعلانه لصحيفة أوان الكويتية عن رأيه في الحاجة لتشكيل "تجمع رباعي إسلامي قوي" مغيباً هذه المرة بالكامل من حساباته طائفة حلفائه الموارنة، بدأً بحزب الكتائب مروراً بالقوات اللبنانية وحزب الأحرار، والذي خاض معهم الانتخابات النيابية ومنذ فترة لا تتجاوز الشهرين.
في الحقيقة وليد جنبلاط لم يأخذ كل هذه المواقف المتتالية عن عبث، وعن تهور ومزاجية، وله في هذا التغيير بالرغم من نفيه له أسبابه.
فوليد جنبلاط كان قد بدأ بعملية 5 أيار بإطلاق قضية الكاميرا المركزة من قبل حزب الله على مدرج مطار بيروت، وأعلن ضمن مؤتمر صحفي طنطنت به وسائل العلام كافة حينها، بأن حزب الله يمتلك شبكة اتصالات سلكية غير شرعية لأنها خارج إطار الدولة . فتحولت هذه المعلومات إلى إخبار اضطر مجلس الوزراء بعدها إلى إصدار قرارين باتا شهيرين بخصوص هاتين المسألتين، كانا وراء موقعة 7 أيار (مايو)، والذي وجه خلالها حزب الله سلاحه إلى صدور الطائفتين السنية في بيروت والدرزية في الجبل.
وصلت الأمثولة للزعيم الدرزي وعلى ما يبدو فهم الدرس جيداً. وقرر تحاشي هكذا مواقف بل وأكثر، قرر الذهاب بالاتجاه المعاكس أي التهليس لحزب الله لكسب رضاه، وحتى يحيد الجبل عن ثورات غضبه. ولكن أبعاد رقص وليد جنبلاط على هذا الحبل الرفيع ليس بدافع التهليس فقط، بقدر ما هو يندرج ضمن مخطط يرمي إلى استرضاء حزب الله من أجل استمالته، فاستيعابه، فلبننته على المدى البعيد بشكل يضطره في النهاية إلى تسليم سلاحه إلى الدولة بالليونة والتنسيق المطلوبين. وهو موقف يُرضي المجتمع الدولي من جهة، ويريح إسرائيل من جهة أخرى حيث تعلو وتتصاعد قرقعة السلاح، إذ تجمع وسائل العلام الإقليمية والدولية على ترجيح احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة على المنشآت النووية الإيرانية.
ولبننة حزب الله وصولاً إلى ثنيه عن الذهاب باتجاه تنفيذ إرادة إيران في إلهاء إسرائيل بالجبهة الشمالية، هي مهمة شاقة وقد لا تخلو من احتمالات الفشل نظراً لارتباطات حزب الله المعنوية والدينية والإيديولوجية والمادية مع إيران. يبقى أن تحييد هذه الجبهة وعدم اشتعالها قد يكون أمراً ضروريا بل أساسيا لإسرائيل في احتمال قيامها بالمغامرة ضد إيران، كونها غير مستعدة لتلقي صواريخ حزب الله البعيدة المدى في قلب تل أبيب.
في كل الأحوال لعبة وليد جنبلاط البهلوانية داخلياً ليست بقدر الأهمية بالنسبة لرقصته على الخيط مشدود إقليمياً. هذا مع العلم أن مناوشات متكررة باتت تحصل في الجنوب اللبناني في ظل مطالبة إسرائيل بإسقاط القرار 1701 حتى تتثنى لها حرية الحركة بتوجيه ضربة قاسمة لمخازن أسلحة لحزب الله في الجنوب، قبل بدء عمليتها باتجاه إيران. وهو أمر ترفضه الحكومة اللبنانية متمسكة بالقرار 1701 وبنوده كلها.
أما السؤال فيحور حول تمكن وليد جنبلاط من إكمال رقصته البهلوانية على الخيط المشدود فينجح بمسعاه العسير في التقرب من حزب الله لاستمالته واستيعابه، دون أن يخسر قاعدته داخلياً، هذا ما ستكشفه المرحلة المقبلة؟ .
في كل الأحوال كل شيء مرهون بتبدل الأوضاع والمستجدات على الساحة الإيرانية. ففي ظل احتمال سقوط أول حجر من أحجار الدومينو هناك سوف تكر اللعبة وتسقط الأحجار الأخرى وصولاً إلى الأطراف ومن ضمنها حزب الله، وتنتفي ضرورة توجيه ضربة عسكرية على المنشاءات النووية، على أقله حتى تستتب الأوضاع الجديدة.
أما في حال تمكن النظام من ضبط الانتفاضة فسوف تظل الجبهة الشمالية لإسرائيل مفتوحة على كل الاحتمالات حيث أن المقرر الأول والأخير فيها سوف تكون إيران وليس لبنان أو حزب الله أو إسرائيل. وذلك على أساس أن فتح هذه الجبهة قد يشكل الرادع الأول والأخير لثني إسرائيل عن توجيه ضربة عليها.
كاتبة وباحثة سياسية لبنانية
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية